غير مصنف

غزوة الملثمين المسلحين على الدراز: الخروج على النص.. وانفلات “عقدة” النظام الأمني لآل خليفة

 

البحرين اليوم متابعات

يقترب مؤشر الساعة إلى ١٤ فبراير ٢٠١٧م، وهي مسافة زمنية يريد النظام الخليفي أن يجعلها كافية لترتيب أوضاعه غير المستقرة في ظل انقلاب الأوراق في المنطقة والخليج. الهجوم المسلح على بلدة الدراز، فجر الخميس ٢٦ يناير، لم يكن تقليديا أو جزءا من المناورة الميدانية لتحقيق مكاسب أو إنجاز أهداف عملياتية، وقد جاء في سياق العُقدة الأمنية التي تنخر النظام في البحرين منذ سنوات، وهي عُقدة من المرجح أن تتفاقم أكثر، وتتفجر بكل تناقضاتها الدفينة.

IMG-20170127-WA0002

صحيفة (أخبار الخليج) المحلية، المعروفة بأنها تابعة لرئيس الحكومة الخليفية خليفة سلمان، أوردت اليوم الجمعة، ٢٧ يناير، خبرا عن الهجوم المسلح وذكرت فيه بأن ملثمين شوهدوا وهم يطلقون الرصاص على المعتصمين قرب منزل الشيخ عيسى قاسم، وتحدث الخبر عن الإصابة الحرجة للشاب مصطفى حمدان الذي يرقد في مستشفى السلمانية بين الحياة والموت“، كما قالت والدته.

اللافت في صياغة الخبر الذي نُقل عن النسخة الإنجليزية للصحيفة (جلف ديلي نيوز) أنه التزم بذكر الحادثة بقدر مستغرب منالحياد الملغوم، وأكد إصابة حمدان برصاص حيّ، ملمحا بإشارة ضمنية إلى مسؤولية الملثمين الذين صُوِّروا وهم يطلقون الرصاص خلال مواجهات مع شبان ملثمين.

هذه الصياغة غير المعتادة من صحف النظام تأتي في ظل صمت مستغرب من جانب وزارة الداخلية الخليفية، رغم الظروف المحيطة بالهجوم والأوضاع العامة التي تشهدها بلدة الدراز المحاصرة منذ أكثر من ٧ أشهر.

تتحدث المصادر عن انفلات متدحرج تشهده الأجهزة الخليفية، وخاصة بعد إرخاء اليد لما يُسمى جهاز الأمن الوطني، وإعادة الصلاحيات المفتوحة له للسيطرة على الأوضاع بعد نجاح عملية الهروب الجماعي من سجن جو المركزي في الأول من يناير الجاري. لا يقتصر الأمر، بحسب المصادر، عن انفلات داخل الدائرة، كما هي العادة في حالات الفوضى وإزدواجية صناعة القرار الأمني في البلاد، بل يجري الحديث عن صراع مستميت بين الأجنحة الخليفية التي تتبادل الاتهامات فيما بينها وتحميل كل طرف مسؤولية الفشل، حتى الآن، في إحكام القبضة الأمنية على المتظاهرين ولجم الحراك الاحتجاجي في البلاد.

تأخُّر وزارة الداخلية عن التعليق على هجوم الملثمين على الدراز؛ هو إشارة إلى وضع الالتباس الصادِم الذي يسود طاولة الاجتماعات في الوزارة والمخصصة لرسم المسرحيات والتخريجات المفبركة في كل مرة تتورط فيها الوزارة بشر أعمالها. فكل حيثيات الهجوم المسلح لا تُسعف  المجتمعين على تصميم تخريجٍ يمكن أن يقبل به الموالون أو أولئك الذين ينتظرون من نظامهم تفاسير “مهضومة” للحماقات والجرائم التي يرتكبها، كما أن توثيق علمية الهجوم ومشاهدَ التكتيك المستعمَل من قبل الملثمين المسلحين، ولحظة الفرار غير المشرِّف بعد تحرير المعتصمين أحد الشبان وفك قيوده؛ كل ذلك لا يسمح للضباط الخليفيين بتجميع خيوط سيناريو قابل للدعاية في الداخل والخارج. عدا ذلك، فإن الدليل القاطع على استعمال الرصاص الحي، والذي تشهد عليه جمجمة الجريح مصطفى حمدان؛ شكّل مأزقا آخر أمام الخليفيين، وعطّل عليهم كل إمكانات الإعلان السريع عن الفبركة.

   البديل الذي لجأ إليه النظام، حتى الساعة، هو إصدار الأوامر للموالين والمرتزقة للبدء في تشويش حقيقة الحدث وتزييف الوقائع، كلُّ بحسب درجة الوقاحة التي يملكها. المهمة هنا ليست يسيرة بسبب التوثيق الكامل للهجوم، ولذلك فإن النظام وزّع المهمة على النحو التالي:

قلْب الحقيقة رأسا على عقب، وتجاهل كل الوقائع الموثقة، وترويج أكذوبة أن الجريح حمدان هو ضحية تعذيب قام به المعتصمون في الدراز، لكونه مخبرا للنظام وينقل أخبار المعتصمين إلى الأجهزة الأمنية، مع ربْط هذه الحادثة بحادثة أخرى قبل أشهر قليلة وقعت لشاب آخر في الدراز تعرّض فيها للاعتداء وتوفي في ظروف غامضة. ولأن هذه المهمة تتطلب قدرا كبيرا من إنكار الحقيقة الموثقة، والوقاحة الجافة في ترويج الأكاذيب، فإن القيام بها لم يكن متاحا إلا لصنف خاص من المرتزقة، أمثال المدعو أمجد طه، الذي يرتبط بأقذر غرف الأكاذيب في مخابرات آل خليفة.

التلاعب في فنون صياغة الخبر، والحديث عن الهجوم وكأنه حدث عابر، ونفذه مجهولون، مع استعمال عبارات تشتّت الانتباه عن حقيقة الوضع المعسْكر الذي يحاصر بلدة الدراز، وكأنه من الممكن لأيّ ملثمين أن يتكتلوا بحرية في الهواء الطلق والالتئام في مجموعة مسلحة تنطلق من سيارات مدنية وينفذوا اعتداءا قاتلا على جموع الناس، ثم يخرجون من موقع الهجوم ويختفون عن الأنظار من غير أن يعرف عنهم أحد، أو تنتبه لوجودهم الآليات والمدرعات المتمركزة حول البلدة أو ترصدهم أجهزة المراقبة التي تحيط بها وتلتقطها عادة الطائرات المروحية التي اعتادت عليها سماء البلدة المحاصرة. ورغم ما في هذا التلاعب من خروجٍ على نص الحقيقة الموثقة، إلا أنه المتاح الوحيد بالمقارنة مع فضيحة الصمت المطول عن هجوم عاصف، وبتفاصيل غير مسبوقة، وفي منطقة محاصرة بالجنود المدججين بالسلاح. وهذا ما تكفلت به صحيفة أخبار الخليج.

جزء آخر من الأمر ينبغي أن يوجَّه إلى الضباط البريطانيين الذين يديرون الجهاز الأمني لآل خليفة. وبحسب الشيخ عبد الله الدقاق، وأثناء لقائه بالمرجع الديني السيد كاظم الحائرى، فإن البريطانيين يتولون إدارة السياسة الأمنية في البلاد “جهارا نهارا”، وبلا أقنعة أو وقوف خلف الأستار. أمام ذلك، يتساءل بعض المراقبين عن “اليد البريطانية” فيما حدث في الهجوم الغادر على الدراز، وما إذا كان البريطانيون على علم أو دراية مسبقة بهذا الهجوم الذي لم يكن ينطوي على أي “هدف ميداني مباشر”، ويندرج فقط في سياق عمليات “الإرهاق” و”التمويه” و”الرسائل السياسية”. أحد النشطاء المعارضين لا يتردد في التأكيد على وجود “بصمة بريطانية” في العملية التي يرى أنها “انحرفت” عن مسارها المخطّط له عندما “أخطأ” الملثمون في فضح أنفسهم، وتقديم دليل “دامغ” على وقوع الجريمة باستعمال الرصاص الحي وحصول إصابة “قاتلة” في الرأس للشاب حمدان. ويستند هذا الرأي عن حقيقة “مؤكدة” بأن البريطانيين “هم الآمر والناهي الفعلي” داخل النظام الأمني كله في البحرين، وأنهم موكلون بتدبير شؤونه والتورية على انتهاكاته وجرائمه، فضلا عن توليهم لدور أساسي في “العمل الأمني” للنظام، وهو تحويله من عمل “قمعي قاتل”، إلى عمل “قمعي ناعم”، وألا يترك آثار الجريمة بوضوح. ولهذا السبب، يقول الناشط المعارض، “يلوذ النظام حتى الآن بالصمت إزاء جريمة الهجوم المسلح”، وهو الآن في وضعية “استقبال الضربات الداخلية، من الأجنحة المتصارعة، ومن البريطانيين أيضا”.

في المشهد الداخلي للهجوم، فإن جزءا مهما من الورطة “الأمنية” و”السياسية” لآل خليفة؛ هو أن ملامح الهجوم كان نسخة مشابهة للغزوات التي يقودها الملثمون “الدواعش” عادة. لا يجب أن يكون ضربا من الخيال الحديث عن “غزوة فاشلة” قام بها قسم “دواعش آل خليفة” على المعتصمين في الدراز، وتحديدا القسم الذي يتم تدريبه وتربيته منذ سنوات ست ماضية داخل وحدات الجيش الخليفي، والذي يلقى رعاية توجيهية وتثقيفية من رجال دين متشددين يكفّرون الشيعة، ويستحلون دماءهم، ويتفاخرون علنا بتوجيه السلاح إلى مساجدهم ومآتمهم ونشطائهم ورموزهم. في هذا المشهد يتكوَّن جزء إضافي من “الإنفلات” و”الإفلات” المدمِّر الذي ينخر في أبنية الأجهزة العسكرية لآل خليفة، ومعه تتشكل الضريبة المُرَّة التي سيجنيها البريطانيون من وراء ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى