الخليجتقارير

اقتلاع من الأرض: طيف فلسطين في بلاد العواميّة.. ومرافعة ضد الضمير العالمي

 

البحرين اليوم – (خاص)

٤٠ كلم هي مساحة العوامية. البلدة التي تعجّ بالنشاط المتنوّع، وتمثل واجهةً مشرقة تمتدّ إلى ساحل الخليج. تقاطعَ معها التاريخُ في أصعب المراحل، ولكنها كانت آمنةً من أعمال الانتقام التي قام بها القرامطة، وطالت الزّارة، تلك التي كانت العوامية في حينه طرفاً فيها، لتختفي الزارة بفعل التدمير وتتحول لاحقاً إلى حيّ من أحياء المدينة التي تعوم اليوم.. بالدّماء.

ما الذي حلّ بهذه المدينة التي لا تُشرق القطيفُ إلا من أرضها الغنيّة بالتربةِ والعطاء؟

منذ ٣ أيامن؛ تخرج مواكبُ متقطعة من البلدة باتجاه أماكن يبحث فيها الناسُ عن الأمان. القناصةُ ينتظرون رأساً يطلّ من هنا، أو حركةً تعبر فوق التراب. الرصاصُ المغروس في الجدران ينبيء أنّ قتْلاً على وشك الهطول. المباني تجثم على بعضها، والطرقاتُ تكاد تغورُ من شدّة العويل. لا أحد يتحدّث الآن عن أولئك الشّبان الذين أرسل آلُ سعود الجنودَ المحمّلين بالقذائف لتدمير البلدة كلّها، انتقاماً من نسْل الشيخ النمر. لقد تضاءل ذلك الكلام الذي يقول فيه الناسُ تلك الوساوسَ المُضرٍّة. بعد تنفيذ الحرب المفتوحة؛ انتهى زمنُ أحاديثِ النفوس اللّوامة، وينبغي أن ينتهي للأبد.

الجميع هنا أمام دمارٍ لا يبرّره شيء. لا أحد من المثقفين المرابطين في المنطقة الرمادية يستطيع أن يُنتج اليوم كلاماً مسموماً، وهو يرى الأجساد التي تحترق بلا معنى، ويخترقها الرصاصُ الناري وكأنّ هتلر بُعث من صحراء نجد. ماذا فعل المربّي أمين آل هاني لتُصبّ عليه النيران؟ أيّ معنى لأنْ تخترق الرصاصةُ قدمَ الناشط محمد النمر؟ أولئك الشهداءُ الذين سقطوا أول أمس في العوامية، وبينهم وافدون آسيويون؛ ما ذنبهم وهم لم يكونوا مسجّلن في سجلاّت المطاردين أو ضمن قوائم المطلوبين؟!

يرفع الملكُ سلمان رأسَه من غفوةٍ حمراء في طنجة، ويتصل بأصدقائه في أميركا وإسرائيل، ليُعلن آلُ سعود بعدها أنهم انتصروا في معركة الأقصى، وأنهم نجحوا في إعادة الكرامةِ إلى المرابطين الذين زخّتهم الرصاصاتُ والخيانات طيلة ٧٠ عقداً من الزّمان الإسرائيليّ. إهانةٌ لم يحتملها الفلسطينيون الذين ردّوا على خائن الحرمين بما يليق من الكلام، ومن وسط ثالث حرمٍ مقدِّس عند المسلمين. هي إهانةٌ يعرفُ كنهها وطعمها أهلُ العوامية الذين لازالوا يعتصرون فقْداً على حبيبهم الغالي، الشيخ نمر النمر، وكيف نكّل به آل سعود وأعدموه لأنّه قال الحقّ في نايف وابنه، الابنُ الذي دارت الدّوائرُ عليه، وفعل فيه آل سعود ما هو أشدّ وأخزى. ابن نايف الذي علّم إرهابيي وزارة الداخلية فنونَ التعاطي، وكان سيدّهم في ابتلاع أكبر أحجام المخدّرات، وأشدّها مفعولا.. ها هو طريحُ الذّلِ، فيما خرّيجو مدرسته في “التعاطي” يصنعون الإبادة في العوامية.

ويسألونك عن “الصّمت الدّولي”؟ سؤالٌ يهينُ صاحبُه الصّمتَ نفسه! أين هذا العالم، أصلاً، من أكبر جرائم العصر التي يرسم تفاصيلها آلُ سعود في اليمن، ومنذ أكثر من عامين؟ هل كان في هذا العالم غير النفاق وهو يتابعُ الاضطهاد المريع الذي يفعله الذيلُ السعوديّ في البحرين؟ أمّا مجلس حقوق الإنسان في جنيف فليس له إلا أن يُمتنعا مرتين في العام بجلساته الأنيفة حول الإنسان وحقوقه المهدورة في خليجِ القبائل، ثم يختمُ المسرحية بمجازاة السعوديّة بمقعدٍ “وثير” في المجلس، ليرفع الأخيرُ شكرَه “الجزيل” لها على هبة المليون دولار. وتسألون أين العالم مما يجري في العوامية؟ إنها تفصيلٌ لا معنى له في أرقام المليارات العريضة التي يجنيها الغربُ من بيع الأسلحة التي يقتلونا بها. وحين يُصاب أحدهم، لسببٍ غير بريء، بوخزٍ في الضمير، فإنه لن يفعل الكثيرَ غير أن يُلبس الضحايا ببياناتِ الشّجب الباهتة التي تعلموها من مدرسة “الإعراب عن القلق”، وبلا تنوينٍ ظاهر!

زمنُ الاقتلاعات ولّى. ما عادت الشعوبُ ترضى بالخديعة بعض الوقت لمداواةِ جراحها المثخنة. قد يضطرّ البعضُ للفرار من الغارات والهروب بعيداً عن القذائف، ولكنّ الأرضَ تظلّ ملتصقةً بأقدامِ رجال الله. العوامية ليست وحدها، والخيانةُ والضّعفُ ليس قرارَ الجميع. والأهمُّ من ذلك.. أنّ الذين يوزّعون “الرايات البيضاء” ويدعون الأهاليَ للفرار من مسقط رأس “الكبير الكبير” صاحب الموقف و”الزئير” (النمر)، يرتفع قبالتهم صوتٌ نمريٌّ لا يقبل القسمةَ على الهزيمة، صوتٌ يؤكد أنه آن أوان النفير والتحرير، وأنّ الخريطةَ التي يريد آل سعود هدْمَها هي ذاتها الخريطة التي ستُعيد الدماءُ والراياتُ الحمراء تعميرها، وفوق أنقاضِ الخراب ومقابر الغزاة. هل هذا شعرٌ وعواطف؟ آل عوام تجاوزوا ذلك منذ زمن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى