ما وراء الخبر

طلبة موجوعون بالأحبة المعتقلين.. وكُتب مستعملة لضمان “جودة التعليم”: بأي حال عدت يا عامُ؟

 

البحرين اليوم – (متابعات)

قد تكون صدفة، وقد لا تكون، أن يُصبح الأستاذ محمد البحراني آخر المعلمين الذين يتجرّعون “جودة” نظام التعذيب في البحرين. لم يترك عَبدة آل خليفة اعتقال البحراني يمرّ دون أن يمارسوا الدّور الطبيعي الذي تدرّبوا عليه في الدورات المكثفة التي برعَ فيها على مدى أشهر الجلاّدُ طلال الخليفة في جهاز الأمن الوطني، ليُمنح بفضل “غرف الموت” الترقية يوم الثلاثاء ١٢ سبتمبر ٢٠١٧م ويُصبح بشهادة “ملك التعذيب” جديرا بالمنصب الذي يكون فيه أقرب ما يكون من وزير “الإرهاب”. أحد الكتّاب غير الجديرين بالذّكر على اللّسان كتبَ مقالا حذّر فيه مما يجري في المدارس مادام المعلمون “إرهابيين” مثل محمد البحراني، وأثارَ الكاتب سيء الذّكر سخافاتٍ لا تنتهي إلا بأختها حول تحت عنوان “مدرس برتبة خبير متفجرات“، حتى انطبقت على الكاتبِ صفاتُ المنافق “السُّوبر”: “إذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غَدَر، وإذا وعَدَ أخلف، وإذا خاصم فَجَر”.

على هذا النّحو أراد آل خليفة أن يفتتحوا العام الدراسي الجديد. أوكلوا إلى الكتبة الصغار أن ينشروا كراهيتهم الأصيلة لشعب البحرين الأصيل، ومن بوابة التعليم. الخليفيون يعرفون أن مشروعهم في إبادة السكان لن يحقق أقصى نتائجه المرجوَّة إلا حين يسلبوا مواطني البحرين تميّزهم المعهود في العلم والمعرفة، وهي ميزةٌ حافظ عليها البحرانيون على مدى الزّمان، ورغم توالي الأزمات عليهم بتوالي هذا الحكم البغيض وامتداده. حوّل الخليفيون وزارة “التربية والتعليم” إلى ثكنة عسكرية باستدعاء ضبّاط لإدارتها، وفتحوا الأبوابَ والنوافذ لأسوأ حمَلة الحقد الطائفي ليُمسكوا إداراتها وأقسامها، جالبين معهم المستلحقين من المجنسين والمرتزقة وسُرّاق الهويّات، وفيهم كثيرون ملطّخةٌ سيرتهم بسوء “التربية” وفنون الفساد والتدليس وتجميع الآثام. لا يبدأ ذلك من الوزير ماجد النعيمي، الذي لا يُجيد القراءة السليمة بالعربيّة، ولا ينتهي بمدير الإعلام والعلاقات العامة، فوّاز الشروقي، الذي كان ماهراً بسرقة المقالات، إلى أن فضحه “غوغل” ذات مرّةٍ فتاب إلى الله بحلْق حيائه ولحيته، ولكن إلى أجلٍ مسمى، حين لوّح له “الإخوان الخليفيون” بالمنصب الرّفيع الذي لا يستحق، ليعود إلى أحضان العبودية والتطبيل (وليس التربية والتعليم).

لا يريد آل خليفة لأهل البحرين أن يتعلموا. يريدون منهم أن يكونوا طبّالة، لا أكثر. ولأن أغلب الشّعب لا يجيدون العزّف على الطّبل، ولم يتربوا على هزّ الأرداف أو غير الأرداف؛ فإن الخليفيين يعرفون أنّ كل جهدهم وسعيهم لتطبيع البحرانيين مع التطبيل؛ لن يكون له جدوى، ولن يصلوا إلى مبتغاهم ولو أغرقوا المدارس والجامعات بالطبّالين والمجنسين والطائفيين. ولهذا كان الخيار الآخر أمام آل خليفة هو “تعكير” الأجواء على البحرانيين، وتحويل حياتهم إلى “جحيم” متسلسل، ومحاصرتهم في كل الأرجاء بالقهر والمعاناة والترصُّد: من مناهج التعليم المحشوّة بالأكاذيب والتاريخ المضلل والأفكار التافهة والتمجيد للمرتزقة، إلى الكتب الدراسية الممزقة التي تُشبه نظام جودة التعليم الذي تطبقه وزارة النعيمي منذ سنوات، إلى تحويل النظام التعليمي إلى نظام عسكري بتحويل الطلبة المتغيبين إلى الأجهزة الأمنية، إلى حرمان الطلبة المعتقلين من حق استكمال التعليم، إلى اعتقال الآباء والأمهات والأخوة والأخوات والأهل والأحبة.. حتى أضحى كلُّ بيت من بيوت البحرانيين مطبوعاً بقصة معتقل أو ذكرى شهيد أو مهجّر أو مطارد. وصولاً إلى نظام البعثات الذي شكّل أسوأ أشكال تعيميم العداوة ضد المتفوقين البحرانيين.

في الأسبوع الأول من العام الدراسي الجديد؛ كان النظام حريصاً على إضافة اسم الناشطة التربوية، والمعتقلة السابقة، جليلة السلمان إلى قائمة النشطاء الذين مُنعوا من السفر واسُتدعوا للتحقيق. السلمان التي هنأت الطلبة بعامهم الجديد، كان صعباً عليها أن تمرّر التهنئة من غير أن تُذكّر الطلبة بزملائهم المعتقلين الذين اختُطفوا من مقاعد الدراسة إلى غياهب السجون وعذاباتها. وتلك واحدة من وصمات العار التي تتسع باطّراد على جبين آل خليفة، فهم لم يفوّتوا الأسبوع الأول من العام الجديد من غير أن يضمّوا إلى الزنازن طلبةً آخرين، وبعضهم تم اختطافه باستعمال فرق عسكرية وميليشيات مدججة بالسلاح، كما حصل مع الطفل آدم جعفر كاظم (١٦ عاما) من بلدة دمستان يوم العاشر من سبتمبر ٢٠١٧م الذي غارت على منزله مواكب من الغزاة، لينضمّ إلى مئات الطلبة المحرومين من الدراسة والتعليم في سجون آل خليفة.

المؤكد أن المعاناة لا تُوصف. لا أحد يستطيع أن يشرح الوجعَ الذي يحمله أولادُ الزوجين المعتقلين زينب مرهون وأمين حبيب. كيف هو حالهما وهما بلا أم ولا أب في أول يوم دراسيّ؟! (صورة التقرير) لم ينس الولدان الصغيران الوالدين البعيدين، ولكنّ حال الوالدين ليس أقلّ نزيفاً من ألم الولدين! أمّا الأمهات المعتقلات فأخرجن بعضاً من الآهات من وراء القضبان، ونشرن رسائل خاصة بمناسبة العام الجديد سجّلن فيها الأمل والألم، الصّبرَ والمعاناة، شوقَ القلوبِ وانكسارات الفراق. ومثل هذه المشاعر والحكايات كثيرةٌ في أوال، وبعضُ تفاصيل الجراحات لا يريد أصحابها أن تخرج من قفص الأسرار والصّدور تعفّفاً عن أيّ تعاطف، أو رغبةً في إتمام الصّبر بالصبّر المزيد. ولكن البيوتَ للبيوت، وقصصَ الطلبة الموجوعين بفراق الآباء والأمهات لا تُخفيها المسافاتُ والجدرانُ ولا أسوار السجون.

هذه بعض سرديّة المعاناة. ولكن البحرانيين لا يعرفون اليأس، ولم يكن من طبعهم أن يكونوا في مرمى الاستسلام أو الركون إلى الفشل. يحمل الصغيرُ شجاعةَ أن ينهض باكرا في أول يوم دراسيّ، مرتدا ملابس المدرسة وحاملا حقيبته جنباً إلى جنب رسالة الشوق للأم والأب البعيدين، وهو شوقٌ يُجهّزه للذهاب قويّاً إلى معركة المعرفة وليس الهروب منها أو الفشل فيها. وهذا درسٌ وطّدته “مدرسة الأم” التي علّمت الأبناء والبنات شجاعةَ أن يتغلبوا على فراق آبائهم وأمهاتهم، وألا يكونوا ضحايا طيّعين للشرير الأكبر الذي يريد لهذا الجيل أن ينشأ في الجهل والانكسار وتحت رحمة فقدان الذات. وكما يفعل ذوو العظمة؛ فإن الأمهات – ممّن هن تحت سطوة القيود، أو من اللواتي يتحملن تربية الأبناء بعيدا عن الأب المعتقل أو الشهيد أو المهجّر – هنّ النّخل الصّابر الذي سيجني بفضله أهلُ البحرين ثمرات الفرج وحلاوة النصر الذي لابدّ منه.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى