تقارير

:: وجوه الثورة :: الأستاذ حسن مشيمع.. الصوت الذي استباح محرَّمات الاستبداد

 

البحرين اليوم – (وجوه الثورة)

إذا كان الرواةُ هنا مختلفين؛ فإنّ رفاق الدرب يكون لهم الحكم القاطع. في إحدى المرات، وصف الأستاذ عبدالوهاب حسين رفيق دربه ونضاله وزنزانته الأستاذَ حسن مشيمع بأنه “أسد لا يهتز”. كان “أبو هيثم” كذلك، وظهر بهذه اللياقة حتى في اللحظات الأكثر اضطرابا التي مرت بها البلاد، وخُيّل فيها لكثيرين أن زمن “الأستاذين” قد ولّى بلا رجعة. لن ينفلت من الأستاذ هذا اليقين وهو يُعلِن للناس الخبر الصاعق بإصابته بمرض السرطان. لم يتحدث عن آلامه الخاصة، ولكن كرّر، بحضرة الدكتور منصور الجمري، يقينه بأن النظام غير صادق، وأن سعي الأستاذ الدائم هو لأجل “البحرين حرةً وكريمة”، وهو ما لا يريد النظام الذهاب إليه.

الكلمة الأكثر حضورا في لسان الأستاذ هي “الناس”. كان حريصا على أن يكون صريحا مع الناس، وأن يُكاشفهم بالحقيقة، ولو كانت مُرّة. على قدْر “الحسم غير المدوَّر” الذي طبعَ مسار السياسي؛ إلا أنه كان عصيا على خصومه أن يحسبوا عليه النقاط، وهم لم يفلحوا في ذلك إلا بالفبركات أو بالاستعانة بالأكاذيب التي روجتها بؤر “المرجفين” التي توغلت في أكثر من مكان قبل ثورة ٢٠١١م. فكَّ الأستاذ مشيمع علاقته بكل ما قد يستنزف طبعه المستميت في تسمية الأشياء بأسمائها. خرقَ قواعد اللعبة منذ البداية، ولم يلتزم بالحدود والقيود التي فرضتها السلطة لنشاط “الجمعيات السياسية”، فكان يعمل في فضاء “الوفاق” ويُفكّر في الوقت نفسه بعقل “الممانعة” الذي ساهم بإرساء قواعدها وموضوعاتها ومقولاتها. كان يجتمع في لقاء “الجمعيات”، ولكن من غير أن يرفع قدمه عن ساحات الناس، ومنصّات المعارضة في الخارج. وحين ضاقَت سُبل “الانسجام” ومحاولات “الجمع بين الأضداد”؛ خرجَ بـ”حركة حق” ليُثبت القاعدة الذهبية التي اختصرت مغزى الحراك الممانع: “شرعية الحق لا شرعية القانون”. كان الأستاذ، ورفاق دربه، يقولون للجميع إن القانون حينما “يكون عزْفا منفردا؛ فإنه لا يكتسب شرعية شعبية، ولا يمكن الالتزام به، ولو طبّعَ معه الجميع وصادق عليه البرلمان”.

لأسباب كثيرة؛ سيكون الأستاذ مشيمع أشبه بـ”مطلع الفجر” بالنسبة للذين احتشدوا في دوار اللؤلؤة في الأيام الأولى لثورة ١٤ فبراير. عبّروا عن هذا الإحساس بإطلاق الأنوار التي شعّت في سماء الدوار وهم يستقبلون الأستاذ بعد عودته من رحلة العلاج. وجد الناس أمامهم أكثر ما كان قد حذّر منه الأستاذ، كما وجدوا أنفسهم قادرين على صناعة الثورة التي توعّد بها خطيب جامع “القفول”، رغم تشكيك المشككين، وما رماه آنذاك الأقربون والأبعدون من تسفيه ومعايرة. كما أنذر الأستاذ مبكّرا؛ فإن أخطبوط “البندر” امتدّت أذرعه كما رُسِم لها في التقرير الشهير، كما أن سوءُ نوايا “حمد” تكاد تفضحه وهو يجتمع بأبي هيثم في الفترة الأخيرة التي سبقت اندلاع الثورة. ليس هناك من حلّ إلا بفكّ العُقدة الكبرى، “عقدة الغزو وتاريخ القبيلة”، والذّهاب إلى “الجمهورية”. وعلى هذا المنوال مضى الأستاذ، وعلى إيقاع هذا المعنى العميق هتفَ الناسُ: “سير يا مشيمع كل الشعب ويّاك”. الشعار الذي دوّى على الألسن أكثر بعد اعتقال الأستاذ وبقية الرموز، بعد أن رأى الناسُ والمعارضون حِدّة بصيرة صاحب نداء “عيشوا الأمل”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى