تقارير

تقرير تحليلي: “حماقة العسكري”.. واختلال التوازن في البحرين

 

البحرين اليوم – (خاص)

بعد حملة شرسة استهدفت نشطاء حقوق الإنسان في البحرين – ابتدأت وتيرتها المتصاعدة منذ عام وحتى اليوم – أقدمت السلطات الأمنية على الإفراج عن ثلاثة من أبرز أولئك النشطاء المعتقلين، وبينهم الحقوقية ابتسام الصائغ ومحمد الشاخوري ورضي القطري الذين اتهموا بالإنضام إلى “منظمات إرهابية”، وزعمت السلطات بأنهم تخابروا مع جهات خارجية لتنفيذ “أعمال إرهابية”، وكلّ ذلك بحسب ادعاءات نشرتها السلطات رسميا في حينه.

إطلاق سراح النشطاء الذي جاء بعد حملة ضغط قوية مارستها منظمات حقوقية وقوى المعارضة؛ لا يعني إسقاط التهم الموجهة ضدهم “قانونيا”، وبالتالي فهم عُرضة لإعادة الاعتقال في أية لحظة، وتحت أي ذريعة قانونية أو أمنية باتت السلطات قادرة على فبركتها دون حياء. هذا الأمر دعا جهات حقوقية عديدة للمطالبة بإسقاط التهم عن النشطاء المفرَج عنهم، وردّ الاعتبار لهم، وليس الاكتفاء بإطلاق سراحهم.

الجميع يدرك أن قرار الإفراج عن هذه المجموعة من النشطاء هو حصيلة جهود عديدة ومتابعات حثيثة اضطر معها النظام في البحرين للاستجابة الجزئية وإطلاق سراحهم. ولكي يُظهر النظام الخليفي أنه لا يزال قويا، وأن لديه القدرة على الاستمرار في تجاهل قرارات أممية – مثل توصيات وقرارات مجلس حقوق الانسان، ومنظمات دولية رائدة كمنظمة العفو الدولية وغيرها – فقد أقدم أيضا على التضييق على القيادات والرموز المعتقلين منذ العام ٢٠١١م في سجن جو المركزي.

مثل هذه الإجراءات الأمنية “المضطربة” تكشف مقدارا من انعدام التوازن، والذي يمكن تفسيره على أنه نوع من الاختلاف بين أقطاب النخبة الماسكة بالحكم في البحرين. اختلاف تؤول أسبابه إلى اختلافاتٍ في درجة التشدد ومقدار الاحتماء بالخارج وترضية بعض الحلفاء. فهناك فئة خليفية أضحت مضطرة لأن تستجيب، قليلا، لضغوط الخارج وتفرج عن بعض الناشطين الحقوقيين، وهناك فئة أخرى موغلة في الوحشية والنرجسية المطلقة. ومنذ ٢٠١١م فإن الغلبة والهيمنة بين هاتين الفئتين؛ أصبحت للجناح العسكري ممثلا في “المشير” خليفة أحمد، ونجل الحاكم الخليفي “المدلل” ناصر حمد، بالإضافة إلى نجله الثاني – فاقد الوعي – خالد. وهم يمثلون الفئة المتشددة التي تطمح إلى سحق الجميع دون اكتراث لأي اعتبارات، بما في ذلك شهوة الانتقام والتدمير. وهنا يمكن الإشارة إلى حدثين مهمين:

سرقة مخطوطات الرموز

من ضمن الإجراءات الأمنية الأخيرة في سجن جو؛ قامت إدارة السجن بمصادرة أغراض القيادات السياسية الشخصية، ومنها مخطوطات عبارة عن مؤلفات عديدة عمل عليها بعض القادة طوال السنوات السّت الماضية، وتمثل هذه المخطوطات “عصارة” أفكارهم وتجاربهم. فالاعتقال والسجن لم يثنِ الشيخ الفقيه عبدالجليل المقداد من الاستمرار في إلقاء محاضرات “بحث الخارج” على زملائه من طلبة العلوم الدينية، مثل الشيخ محمد حبيب المقداد والشيخ عبدالهادي المخوضر والشيخ سعيد النوري. ويعتبر بحث الخارج هو الحلقة الأخيرة من حلقات الدراسة الدينية المؤهِّلة لدرجة الاجتهاد بحسب تراتبيّة الدراسة الحوزوية. وكذلك الحال مع الأستاذ حسن مشيمع الذي عكف على كتابة تجربته السياسية الطويلة وملاحظاته على تاريخ الحركة السياسية في البحرين. كل هذا الجهد والتراث الفكري أصبح الآن في أيدى الأجهزة الأمنية التي تجهل حتما قيمة هذه المخطوطات وأهميتها. الإجراءات المتشددة طالت أيضا الحقوقي المخضرم نبيل رجب، حيث تم نقله إلى سجن مختلط يضم معه “الشواذ جنسيا” وأصحاب الجرائم الأخلاقية، مع إجباره على حلق شعره وتعريضه للإهانة.

بدء المحكمة العسكرية

الحدث الأبرز الذي يؤكد وجود فئة من “النخبة” الحاكمة تعتمد أسلوب التشفي والانتقام – مهما كانت النتائج – هو بدء العمل بقانون المحاكم العسكرية، وإحالة أول مجموعة مدنية أمام المحكمة التي اقترحها “المشير” خليفة أحمد ومرّرها عبر “مرسوم ملكي” وتعديل دستوري لم يستغرق سوى دقائق لإقراره، وكل ذلك تنفيذا لرغبة المشير شخصيا. المجموعة التي ادعت ما تُسمى “قوة دفاع البحرين” أنها كانت تخطط لشن هجمات على منشئات عسكرية؛ كانت قد اعتقلت قبل إقرار المحكمة العسكرية بفترة طويلة. فالسيد علوي الدرازي – المتهم الأول في المجموعة – ظل معتقلا قسريا لأكثر من عام، وفجأة ومن دون سابق إنذار تم تقديمه مع زملاء له للمحكمة العسكرية، بدون محام أو ضمانات كافية لحقوقه.

حماقة العسكري

في كل الأحوال، القناعة التي يدركها الجميع هي أن البحرين تُحكم وتدار بعقلية عسكرية، وبقرارات “حرب”، ولكن دون وجود حرب فعلية على أرض الواقع. نعم؛ هي حرب يشنها النظام على مجاميع سلمية وعلى شعب أعزل. وهي حرب يعتقد مشعلو حطبها أنهم يضيفون بها أوسمة عسكرية إلى نياشينهم الوهمية وبطولاتهم الزائفة. وفي هذا مصداق واضح لمقولة “العسكري الأحمق” الذي يُطلق النار على فرقته العسكرية، ظنا منه أنه يُوقع قتلى في صفوف العدو!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى