تقارير

وجوه الثورة :: الدكتور عبد الجليل السنكيس.. مخترع أيقونة “صمود” والأكاديمي الممانع ::

البحرين اليوم – (وجوه الثورة)

في الأجواء التي تنفّست فيها بلدة السنابس بشهادة أحمد الإسكافي؛ كان الدكتور عبدالجليل السنكيس يأخذ موقعه الحصين في حركة التعليم الديني التي يعود لها الفضل في إطلاقِ أبرز النشطاء والوجوه التي سيكون لها أكثر من أثرٍ وتأثير في مشاهد البلاد، الدينية والسياسيّة والاجتماعية. بالنسبة للأستاذ الجامعي الذي جهرَ قبل كثيرين بمضامين “الشفرات اليومية” التي يتبادلها البحرانيون عن “آخر ملوك الزمان”؛ فإن “الهندسة الميكانيكية” لم تجعله مجرّد أكاديمي طامح في المناصب الإدارية والتمتع بـ”هليمان” البروفسور الذي يخترع في قاعة الدرس مصفوفات من الكلام “الهوائي”، ثم يمارس عُقده على الطلبة بوضع الاختبارات المعقدة وتغليظ العقوبات ضدهم. حقّق السنكيس انتصاره “الشخصي” على إعاقته التي كُتبت عليه صغيرا، وهو الانتصار الذي مكّنه على فتح مغاليق العُقد الكبرى، والاستخفاف بالعوائق الصّلبة، والتحليق سريعاً في كلّ الاتجاهات. ولكلّ ذلك، كان من الطبيعي أن تكون أيقونة “صمود” من اختراع صاحب مجلس “الكرامة” ومدوّنة “الفسيلة”.

نظر الدكتور السنكيس إلى الأمور من مصائرها الأولى. أي من الزاوية الصحيحة التي تتكون فيها بداية الأحداث. كلّ الحكاية هو أن هناك “قبيلة” تحكم البلاد، وتريد من الناس أن يكونوا رعايا يقبّلون الأقدام، ولو اجتُثّت جذورهم في العلن وحوّلتهم القبيلة إلى “ملاحق” آيلة للمحو والإبادة، رويداً رويدا. في مثل هذه الحال، لا مجال للدوران كثيرا داخل دوائر المساومة وتقبيل الأنوف. ابن النخلة والبحر؛ كان يرى أن اختفاء الجذوع والشواطيء هو قرين على مشروع أكبر لـ”محو هوية أوال”. هكذا أراد الدكتور أن تكون الطلقة الأولى على مشروع “الكذبة” من البوابة الأهم: مقاومة مشروع الإبادة الثقافية للسكان الأصليين في البحرين. كانت تلك الضلوع الأقوى في هيكل الممانعة الذي شاركَ السنكيس – مع بقية الرموز – في رعايته، ومدِّه بما يحتاج من تمديد وتحفيز وانطلاق نحو الشارع العام. لقد فعل السنكيس الفرقَ والمفارقة، وها هو الأكاديمي المرموق يقود الناسَ في الساحات، كما هو أي أكاديميّ مختلف لا يتلّون فوق فسيفساء الأكاديميا الكاذبة.

حقّق السنكيس كثيرا من تطلّعه الوطني عبر تأسيس حركة “حق”. أعطى طاقته العليا لولادة هذا المشروع. كان يريد أن يكون هناك “ضوء” يهتدي به المراهنون على حركة “الشارع”، كما أراد أن تكون “حق” تحريضاً على توليد المزيد من الممانعة الحيوية، والخروج على طواقم الأوهام والأكاذيب. في كلّ مشروع ممانع كان يطبع فيه بصمته. في داخل البلاد وخارجها. جدّد في العمل الحقوقي ساخراً من كل الديباجات المملة عن “السياسي والحقوقي”، كما شقّ طُرقا مستحدثة في النضال السياسي واختراع المبادرات، بدل التمايل على حبال، وحبائل، ردود الأفعال. كان من أوائل الذين فتحوا عهد “مقال الرأي” المعارض الذي يُنشَر بالاسم الحقيقي، وبأقل ثقل ممكن من “التهذيب” مع المجرمين والقتلة. مع هؤلاء، “التهذيب” صكُّ براءةٍ، وعدوى قد تنقلُ جراثيم العبودية. وهذا ما كان يأباه السنكيس، وحتى النهاية.

لقد اُعتقل السنكيس وعُذّب لأن “الملك” التحم بالخيبة التي أنذره بها. تجعّد الموبوءُ بالفشل مثل “حفّار القبور”، كما قال السنكيس، وأصبح مرمىً لكل قدمٍ غاضبة، وهدفاً لكراتِ النّار التي أحرقت كل أحلامه. انتصرَ السنكيس على “الملك” بعد أن حُفرِت في “الشوارع والميادين” – التي أسّس لها – هتافاتُ الخلاص من هذا الطاعنُ في البغي والفجور، وما نَفَعه الارتماءُ الفاحش في أحضان كلّ سامريّ وسمسار، وكما قال السنكيس أيضا. ما أنقذه جنودُ آل سعود الذين كان صوت السنكيس أوّل من ندّد بهم وهزيء.. وما أعانه الموالون إلا على إظهار، وإثباتِ، المزيد من القبائح التي نشرَها السنكيس على الملأ وقال للمحتمي بـ”بالمهزومين”: “لقد فات الأوان”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى