ما وراء الخبر

الحريري و”زعطوط” آل سعود: حزب الله و”خيار الضرورة” مع السعودية

 

البحرين اليوم – (متابعات)

فعل سعد الحريري ما هو متوقّع منه، وما يليق بسيرة الرجل الذي كان، دون تردّد أو خيار، مدفوعاً لأن يكون تابعاً لآل سعود. قدّم الحريري استقالته من الرياض وعبر شاشة “العربية”، وبعد جلسات تحضيرية مع المخبر السعودي الإقليمي ثامر السهبان. لقد أدى الحريري دور “الطرطور” بكل تفاصيله، وكأنه كان غارقا في كميات كبيرة من المواد المخدِّرة، الرائجة في قصور آل سعود. ولأنّ الحكام السعوديين توثّقت فيهم الأوصافُ التي أطلقها السيد حسن نصر الله عليهم منذ ٢٠١٥م وحتى اليوم: من “تنابل آل سعود” إلى “زعطوط السعوديين”؛ فإن الطبيعي في سيرورة الأمور هو أن يكونوا – وقد انخلعت الأبواب وسقطت الأقنعة – مندفعين أكثر فأكثر نحو الاقتراب من الهاوية التي تليق بأولئك الذين رموا “الخيط والمخيط” تحت إمرة هاوي “الأتاري” الذي لم تفلح التدريبات وورشُ العمل المكثفة في إشفائه من عُقد المراهق، ولاسيما حينما أُتاح له مجنونُ “البيت الأبيض” فرصةَ الانتقام من سنوات الحرمان والنسيان!

في كل الأحوال، كان واضحاً أن الحريري لم يُقدِّم استقالته بمحض “وعيه”، ولا بإرادته الخاصة. وكذبة تعرضه لمحاولة اغتيال قبل أيام لا يصدقها إلا الذين يصدقون أن السعودية تُملي على واشنطن ما تفعله الأخيرة في الخليج والمنطقة! الحريري، منذ رَهنَ كلّ شيء للسعوديين، لا يملك أن يقول كلاماً عاما، أو يُحرِّك طاولة صغيرة، فضلا عن اتخاذ قرار بحجم الاستقالة؛ من غير أن يكون هناك أمر واضح من السعودية، وفي السعودية تُطبخ أوامر العمليات من خارجها. وهذا الاستنتاج ليس فيه إهانة أو تجاوز للحقائق والمعطيات. فقد كان واضحا أن الحريري نفّذ ما كان يعلنه السبهان على حسابه في تويتر. وما كان يُذيعه السبهان لم يكن مجرد لهو أو تفريغ للخواطر بالنسبة لسفير مطرود من العراق، أو سفير لازال تجري في عروقه خبراته الوحيدة في الأمن والاستخبارات.

الضربات الموجعة للمشروع السعودي ليس يسيرة أو محدودة، وهي ليست مجرد خسران تنافسي لبعض الأهداف في مباراة لاتزال مستمرة. هناك ضربات موجعة لحقت بآل سعود من لبنان وسوريا، مرورا بالعراق، وحتى الحدود الحيوية لها مع اليمن، والبحرين، وفي التنافس الإقليمي المرير مع إيران بالطبع. الصيت السيء لآل سعود هو عنوان بارز لهذا الخسران المبين، وفي كلّ مرة يتقدّم فيها السعوديون نحو تفجير مكان ما سرعان ما يجدون أنهم واقعون في جحيم النيران التي يوقدونها.

لا شك أن نجاحات عديدة تُحسب لصالح السعوديين، فهم استطاعوا أن يُغرقوا البحرين في بحور من الدمار، وشبّكوا آل خليفة في الحرب المفتوحة مع شعب البحرين، وحوّلهم إلى أدوات غالبا ما تورط نفسها ومشغليها. وفلح السعوديون في تحويل اليمن إلى “أكبر كارثة إنسانية في العالم”، لأنهم يقولون إن حزبا يُشبه حزب الله اللبناني بدأ يلوح من صعدة وصنعاء، ولابد من منع ذلك، ولو بقتل أكثر من نصف اليمنيين. أما “الثورة المضادة” فأمرها واضح، ومؤامراتها باتت – بعد أكثر من ستّ سنوات على انطلاق ما عُرف بالربيع العربي – جلية للعيان وغنية عن البيان.

ولكن، ماذا يريد آل سعود من لبنان؟

الكلام ينبغي ألا يكون حول “إرادة” آل سعود. كل ما يفعلونه خلال السنوات الماضية هو تنفيذ لإرادة الولايات المتحدة، ومن ورائها إسرائيل. بحسب المصالح الخاصة، وبالنظر إلى الأوضاع المركبة في السعودية؛ فإن كل القرارات والمواقف التي صدرت عن الرياض تقف على النقيض من مصالحها الذاتية، ومثّلت – تلك المواقف – أكبر إضرار على “سمعتها”، وعلى وضعها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. ولكن هذه القرارات والمواقف كان تصبّ، في الوقت نفسه، لصالح الرؤية الأمبريالية الجديدة التي تتحرك واشنطن وتل أبيب نحو تثبيتها في منطقة الخليج، والشرق الأوسط عموماً. وتقضى هذه “الرؤية” – في أحد أهم مفاعيلها ووسائل تطبيقها –  بغرْس محلول الانحلال الداخلي في المشيخيات والملكيات القبلية، ليُعاد إنتاجها وتوزيع المهام الوظيفية الجديدة عليها.

ويجري ذلك عبر ثلاثية متلازمة شكّلت السعوديةُ – وملحقاتها – أبرز أمثلتها:

  • استدراج هذه المشيخيات مباشرة في الأوحال والأزمات الخارجية (حرب اليمن، الأزمة مع قطر).
  • إسقاط كل الأقنعة عن وجوه هذه المشيخيات وإظهار أدق تفاصيل البشاعة فيها (توريطها في دعم الجماعات المسلحة مثلا).
  • تفكيك البُنى التقليدية التي ارتبطت بنشأة، واستمرار، هذه المشيخيات (تفخيخ الحلف الوهابي السعودي مثلا).

إعلان ترامب التصعيدي ضد إيران، في أكتوبر الماضي، سبقه وتبعه تهليل ورقص خليفي وسعودي وإماراتي. إلا أن الموقف الدولي الرافض لما أعلنه ترامب؛ جعل تلك المشيخيات أشبه ما تكون بمجموعة القرود البائسة التي لُوِّح له بموز بلاستيكي أو مليئ بالسموم. ومثل ذلك ما يقوم به ترامب بشأن حزب الله، والقرارات التي يتخذها كل مرة بشأن ملاحقة حسابات الحزب البنكية المزعومة ووضع قياداته على لوائح “الإرهاب”. كانت المشيخيات تفعل الأمر مثله، وتزيد عليه بمقادير يؤكدون بها أنهم “أراجيز” حفظوا الأداور المطلوبة منهم وزيادة، حتى بعد أن يُبلّغوا بأنْ يأخذوا استراحة أو يبحثوا عن أدوات تعبيرية أكثر رمزية في أداء الأدوار المُسندة لهم.

وبالنظر إلى تاريخ حزب الله، والسجلات الجديدة التي أضافها إلى تاريخه عبر السنوات الخمس الماضية – وهي الأكثر تحديا في تاريخه – فإن محلليين يذهبون إلى أن توسيع الجبهة السعودية ضده، سيكون فيه “الخاتمة الأكثر بؤساً التي تنتظر آل سعود”. ينصح المحللون السعوديين بالعودة إلى الخطاب الذي ألقاه السيد نصر الله ردا على محاولات الرياض تفجير الوضع في لبنان، والذي وصف فيه السبهان بـ”الزعطوط”، وقد أعلن السيد نصر الله بوضح بأن الحزب ومحوره “اليوم هم أقوى وبأفضل حال من أي وقت مضى”. ليس الأمر مقصورا على النتائج “الميدانية”، ولكن أيضا ف قدرات إدارة المعركة السياسية والإعلامية التي ستجعل السعودية، في حال مضت إلى النهاية، في “صفّ متجانس” مع إسرائيل من وجهة نظر حزب الله، بما يعنيه ذلك من ترتيبات مماثلة في التعاطي مع “العدو المشترك”، وهي ترتيبات يعرف السبهان أبعادها جيدا منذ أن كان يدير الفتن والجماعات المسلحة والمتفجرات في السفارة السعودية ببيروت، وهي المهمة التي ظنّ أنه قادر على نسخها في العراق، ولكن خاب مسعاه من بوابة “الإرهاب”، وهو يفعل  ذلك الآن في بغداد من بواية أخرى وبإمرة “الأمريكان في قصور آل سعود”.

لن يتعامل حزب الله وحلفاؤه بانفعال مع “الزعطوط”، ولا مع الحريري. المشهد يستحق في البداية أخذ القدر المناسب من الضحك والاستمتاع بهذا المشهد الساخر الذي انتهى إليه الحريري وآل سعود معاً. كما أن الخبرة الواسعة للحزب يُفترض أنها منحته الطرق الفضلى والكثيرة في التعاطي مع خرائب آل سعود. فهم يدمرون أنفسهم بامتياز، ويكررون ذلك بغباء مغموس بالتخدير الرمزي والمادي. فليُتركوا حتى ينغمسوا أكثر، وليكن موقف “خيار الضرورة” الذي اتخذه الحزب في سوريا في المتناول وفوق الطاولة، ولكن حين يكون الوقت مناسبا، وحيث يُصبح آل سعود أقرب ما يكونون من “البحر الأحمر”.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى