تقارير

المحاكم العسكرية: أدوات جديدة لعسكرة الدولة في البحرين

 

البحرين اليوم – (خاص)

 

من المتوقع أن يصدر حكم في ٢٤ ديسمبر الجاري في القضية التي يُحاكم فيها مواطنون بحرانيون في محكمة “عسكرية”، في أول قضية ينظر فيها “القضاء العسكري” بعد إقرار قانون “ملكي” بمحاكمة المدنيين في هذا القضاء، والذي لقي اعتراضات واسعة من المنظمات الدولية.

وبعد إعلان رئيس القضاء العسكري، يوسف فليفل، في ٢ نوفمبر الماضي منعَ النشر في هذه القضية؛ فإن المحاكمة تحوّلت إلى “سرية”، ويخضع النشر الإعلامي عنها إلى “المساءلة القانونية”، وهو ما يجعل مراقبين يثيرون مخاوف من مجريات المحاكمة وما سيصدر عنها من أحكام بعد توجيه اتهامات “مثيرة” إلى المتهمين – وأغلبهم من ضحايا الإخفاء القسري – باستهداف “منشآت عسكرية” تابعة لما يُسمى لقوة دفاع البحرين.

عمليا، فإن كل الأحكام التي يمكن للقضاء العسكري في البحرين أن يصدرها؛ يمكن للقضاء المدني أن يصدرها أيضا، إلا أن النزوع ناحية استخدام القضاء العسكري لمحاكمة مدنيين؛ يعتبر إقرارا بعسكرة الدولة.

في كل الأحوال؛ لا يمكن وفقا لمواثيق حقوق الإنسان العالمية العمل بنظام المحاكم العسكرية لمحاكمة مدنيين إلا في حالات إعلان الأحكام العرفية. هذه القاعدة الأساسية تعتبر تمييزا حقوقيا بين النظام المدني والنظام العسكري، وكلما أمعنت الدولة في توظيف المحاكم العسكرية في حسم صراعها مع المدنيين؛ كلما كانت الدولة تقترب أكثر من نموذج العسكرة، وتبتعد بمقدار ذاك عن النموذج المدني.

في مارس ٢٠١٧م؛ أقرّ مجلس النواب في البحرين – الخاضع لهيمنة النظام – تعديلا دستوريا بناءاً على “مرسوم ملكي”، أي أن التعديل جاء بطلب من “الملك” حمد عيسى نفسه، ويقضي بتوسيع صلاحية القضاء العسكري ليشمل مدنيين أيضا، إلى جانب اختصاصه بالعسكريين. وقد وافق المجلس بالأغلبية الكاملة على هذا التعديل الدستوري، دون إدراك منهم على أن إدخال المحاكم العسكرية على خط القضاء المدني هو إقرار بدرجة – ولو خفيفة – بالأحكام العرفية دستوريا. وبالتالي، تحويل الأزمة السياسية الحالية إلى “ثابتة” دستوريا، وهو خبط من الغباء والعبث السياسي كان يُفترض على “النواب” إظهاره أمام إرادة المرسوم الملكي.

 

الوزير السفيه: عراب العسكرة

 

يعتبر وزير العدل والشئون الإسلامية خالد علي الخليفة واحدا من خلية “البندر”، وأحد الاذرع الطويلة التي يُعتمد عليها في تمرير مشروع عسكرة الدولة، ويعود ذلك إلى فُحشه المعروف في الخصومة، واعتماده الصريح على الإهانات والقذف في أعراض مخالفيه. ونظرا لتخصُّصه في “القانون”؛ يعتقد أصحاب نظرية العسكرة أن مخرجاته القانونية “سلمية وصحيحة”، ولا يمكن إجراء مساءلة قانونية لخطوات العسكرة.

بدأ نجم الوزير يسطع في مارس ٢٠١١ مع إعلان حالة الطوارئ أو الأحكام العرفية التي لم تكن النخبة الحاكمة تريد الاعتراف بها بشكل علنيو فاقترح الوزير مفهوم “قانون السلامة الوطنية” بديلا عن الأحكام العرفية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان ذلك بغرض تضليل الرأي العام بربط الأحكام العرفية بـ”الوطنية” وسلامة الوطن. وقتها، في الواقع، لم يكن هناك “قانون سلامة وطنية” لكي يصدر باسمها مرسوم يطبقها، وهذا خرق دستوري فاضح، كما أن هذا الإعلان لم يصدر به مرسوم في الجريدة الرسمية إلا بعد شهر من تطبيقه وإعلانه. مع ذلك، وقف وزير العدل الخليفي ينافح بفحيح الثعبان للاستمرار فيه.

“الوقيعة” الثانية التي أسندت للوزير نفسه باعتباره خريج القانون؛ هي الخروج من ورطة المحاكم العسكرية التي بدأت تعقد جلساتها برئاسة العقيد يوسف فليفل، وهي محاكم غير دستورية بحكم عدم دستورية “قانون السلامة الوطنية” الذي شرّعها، فدافع الوزير الخليفي دفاعا شرسا عن تلك المحاكم، معتبرا إياها “متقدمة” في إجراءاتها وضماناتها الحقوقية على القضاء المدني الذي يشرف عليه أساسا.

على خلفية محاكمة الكادر الطبي – الذي ادعى الوزير نفسه أنهم احتلوا مبنى مستشفى السلمانية بالأسلحة المخزنة في سقوف المستشفى وأنهم تعمدوا قتل المصابين والجرحى – خرج الوزير الخليفي في ٤ مايو ٢٠١١ مدافعا عن المحاكم العسكرية بقوله “إن محاكم السلامة الوطنية ليست محاكم عسكرية، بل تضم في عضويتها قضاة مدنيين”! هذا “التخريف” القانوني و”الهرج” الإعلامي لم يصمد ولو قليلا أمام أول يوم بدأت فيه لجنة “تقصي الحقائق” (لجنة بسيوني) عملها، والتي رأت في تلك المحاكم “محاكم عسكرية غير قانونية وغير دستورية”، وأن تخريجات الوزير “الفلتة” لم تكن سوى بهرجات إعلامية لا يصدقها غير الحمقى من “البلطجية والطبالة”.

الآن، وبعد مرور أكثر من سبع سنوات على “الهراء” الذي أعلنه على مسامع العالم؛ عاود الوزير “الفلتة” إلى عادته القديمة، ليتحدث أمام أعضاء مجلس الشورى في ١٥ مارس ٢٠١٧؛ عن التعديل الدستوري الذي يؤكد مسار عسكرة الدولة، وقال ما نصّه: “نحن لا نتحدث عن محاكمة عسكري ومحاكمة مدني، بل أن يحاكم معتد يقوم بأعمال إرهابية بشكل غير قانوني، وهذا الشخص ليس مدنياً ولا يرقى لأن يكون عسكرياً، وهو الشخص الذي يستغل الإرهاب دون أي وازع أخلاقي”! وزاد في فُحش الهراء وقال “نحن نتكلم عن القاضي الأفضل في هذا الوضع، هو القاضي العسكري، لا يجب أن يعاقب المتهم في هذه الحالة أمام القضاء المدني وإنما أمام القضاء العسكري”!

أما السبب الحقيقي وراء التعديل الدستوري؛ فلم يكن سوى وسيلة، لأنه – وبحسب كلام الوزير نفسه في جلسة الشورى نفسها – فإن “بقاء المادة الدستورية بهذا الشكل لا يسمح للدولة بالتعامل مع أي جماعات أو ميليشيات في حال أي اعتداء إلا بإعلان حالة الأحكام العرفية، وهذه ليست وسيلة، ولابد أن يكون هناك اختصاص يسمح للقضاء بالتعامل مع هذه القضايا، والقضاء العسكري أكثر قدرة في تفهم الأعمال العسكرية يحضرها قانونيون من أبدع القانونيين الذين يعرفون معنى التعامل في الحالات الاستثنائية وحالات الحرب هم قانونيو القضاء العسكري”.

من جهتهم؛ قام النواب – الذين يتنذّر عليهم المواطنون بوصف “نوّاب الصدفة” – (قاموا) بدورهم المطلوب منهم في التعليق على مرسوم التعديل، حيث اعتبر رئيس مجلس النواب – الذي حاز على ٢٦ صوتا في الانتخابات – أن مشروع القانون الأخير هو “التعديل الأهم ويعد التعديل الرئيسي لأنه أعاد اختصاصات القضاء العسكري”!

منظمة العفو الدولية (أمنستي) قالت في تعليق لها بأن هذا التعديل الدستوري يمثل “كارثة لمستقبل المحاكمات العادلة والعدالة” في البحرين، كما أنه “جزء من نمط أوسع حيث تستخدم الحكومة المحاكم للقضاء على جميع أشكال المعارضة على حساب حقوق الإنسان”. وبالمثل وقفت كافة منظمات حقوق الإنسان ضد هذا التعديل، لأنهم يرون حقيقة الأوضاع، ولديهم تفاصيل “الخبرة المؤلمة” التي مر بها المجتمع البحراني في المحاكم العسكرية فترة الأحكام العرفية في ٢٠١١م.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى