عباس الجمريمقالات

كيف نبني استراتجية تعاطي مع الوهابية في ظل هذه المعطيات؟

البحرين اليوم – (خاص)

عباس الجمري

كاتب من البحرين

 

التبسيط الذي يرافق أي حديث عن حركة إصلاحية في السياسة، يشي بأن الوضع القائم في المنطقة عموماً لن يتغير سريعاً، فالأمر أبعد من تنظيم إرهابي هنا يُكنس بآلة عسكرية أو تنظيم إرهابي هناك يُزال بطريقة ما وينتهي الأمر.
والحركة الوهابية بالدرجة الأولى، حركة متغللة في نسيج المجتمع العربي والإسلامي، وهي أداة مستخدمة من قبل الكبار في أكثر من مفصل من مفاصل التاريخ الإسلامي الحديث، وهنا أمثلة:
1- المثال الأول هو ما عرف بالثورة الوهابية التي حدثت في أواخر عمر الإمبراطورية العثمانية، وهي التي ساعدت بمعية الثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف حسين، والتي كان لبريطانيا دور أساس في إشعالها. وهذا ما تبينه مراسلات الحسين مع مكماهون، وكيفية تدشين ما سمي بميثاق دمشق.
2- في عام 1797 هجم الوهابيون على القصيم واحتلوها وسرقوا منها متاع أهلها.
3- في عام 1801 أغار الوهابيون على مدينة كربلاء في العراق، وسرقوا الأموال والجواهر الموجودة في الأضرحة المقدسة عند الشيعة.
4- وتلى ذلك عدة غزوات، منها غزوة مكة وغزوة المدينة وعمان ..الخ.
والوهابية هنا تستنفر كلما أريد لحدث سياسي أن يُدشن، أو كلما أريد لوضع سياسي قائم أن يُهدم، وبالتالي باتت اللعبة الوهابية في التاريخ الإسلامي عموما والعربي خصوصاً معروفة وشديدة الوضوح، ورغم ذلك فإنها صعبة الهدم وصعبة “التسييل”، والسبب لا يعود فقط لكثرة مريدي هذه الحركة، بل لأنها خلقت في جسدها مضادات، وهي عبارة عن تكوين وتفشي مؤسسات وهابية، تلتزم السلم وتتبع قوانين البلدان التي هي فيها، بالتالي، لا يوجد أي حجة لا قانونية ولا شرعية في تتبع أو تقصد مثل هذه المكونات، رغم أن معظمها يغذي “ماليا وفكريا” الحركات الإرهابية المنضوية تحت لواء الوهابية.

بعد هذا العرض الموجز جداً، يأتي السؤال عن كيفية بناء استراتيجية سياسية لاحتواء مخاطر هذه الحركة، والسؤال لا علاقة له بالطائفة، فالسيرية التي سارت عليه الوهابية، تكفي أن تكتب ديباجة الإدانة ، كما أن أفكارها تعطي نموذجاً حياً من التوحش البشري، الذي هو مرفوض وفق الحس الإنساني الفطري، وعليه فالسؤال عن استراتجية للتعامل مع هذه الحركة تفرضها قواعد السلم الأهلي ومؤسسات المجتمع المدني.
والراهن وعلى امتداد عقود ثلاثة مضت، اكتوى العديد من أبناء المنطقة العربية من تنظيم القاعدة من ثم تنظيم دولة العراق الإسلامية، ومؤخراً تنظيم “داعش”، والذي توج التوحش بأقصى صوره في أبشع عرض قدرت عليه ماكينته الإعلامية.
وقبل أقل من سنة، وتحديداً ما بين نهاية أغسطس وبداية سبتمبر من عام 2016، عُقد مؤتمراً في العاصمة الشيشانية غروزني ، سمي بمؤتمر أهل السنة والجماعة، ضم كل الطوائف السنية، واستثنى منهم الوهابية، وقد افتتح المؤتمر الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، حيث ضم المؤتمر الطوائف التالية: (الأثرية وإمامهم أحمد بن حنبل، والأشعرية وإمامهم ابو الحسن الأشعري، والماتريدية وإمامهم ابو منصور الماتريدي”، ومثّل الأزهر الشريف علماء كبار، فيما لم يدعَ أي سلفي من السعودية، وهو ما أثار غضب هيئة علماء العلماء في الرياض، واعتبروا المؤتمر مؤامرة ضدهم، هذه الحركة العالمية ضد الوهابية، صاحبها إدانة واسعة لما عرف بتنظيم “داعش”، رغم أن التنظيم مدعوم من القوى الكبرى كما اعترفت هيلاري كلينتون في مذكراتها، ألا أن الصخب الإعلامي دفع العديد من الدول يعتبره تنظيماً إرهابياً، بما فيهم الأمم المتحدة، لكن هل ذلك يكفي؟
لنعيد شريط الذاكرة إلى أربع سنوات، ونتذكر جيدا كم من العسكريين في بعض الجيوش الخليجية والعربية انشق وصار مع داعش، وكم من المؤسسات في الخليج تورطت في تمويل و”تجهيز” عناصر لهذا التنظيم.
وعوداً إلى سؤال: كيف نبني استراتيجية مفهومة وعميقة وذات فائدة عملية مع الحركة الوهابية، نتفهم جيداً أن الأسلوب الشرس لا يمكن أن ينتج وضعاً صحيحاً، كما أن التغافل يراكم المشكلة ولا يحلها، ويبقى السؤال الآنف معلقاً للمعنيين، مع الأخذ بالاعتبار كل المعطيات التي قد تجعل التعاطي العملي مع هذه المسألة أكثر فاعلية وعملية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى