مقالات

الدرس البحراني في ١٥ مارس ٢٠١١

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: كريم العرادي

كاتب من البحرين

بعد سنوات من دخول قوات الاحتلال السعودي للبحرين، بدأ السياسيون في داخل البحرين وخارجها، يتحدثون عن الحدث الذي جرى بالوصف الحقيقي، أي بالوصف الذي ثبته البحرانيون منذ اليوم لزحف قوات درع الجزيرة إلى البحرين في مارس ٢٠١١م. وزير خارجية سوريا آنذاك، وهو المحسوب على محور الممانعة، نظّر لشرعية الاحتلال السعودي، وكأنه كان يظن أن آل سعود سيردون له “الجميل” بمثله، ولكن المسؤول السوري الذي لم يعتذر حتى الآن على تصريحه المؤيد للاحتلال السعودي وجد من الشيطان الأصغر الشرَّ الذي حملته المجنزرات الوهابية إلى سكان البحرين، وعلى مدى السنوات المرة المتواصلة حتى اليوم. على المنوال نفسه؛ فعل النظام القطري وأبواقه الإعلامية، منذ ذلك اليوم المشؤوم، فلم يقولوا شيئا عن ذلك الاحتلال الفاجر، وظنوا أن مبادرة مجوفة ودعائيةقام بها حمد بن جاسم في العام ٢٠١١م؛ يمكن أن تغسل عار الصمت والمداراة، وأحيانا التواطوء، على ثورة البحرين، وبتلك السموم التي كان تقذفها أفواه الإخوان المسلمين، وقبل أن يذقوا السموم نفسها، ويتحولوا من أفعى إلى حمل وديع، بعد أن انقلبت الأحوال رأسا على عقب.

كان المواطنون في البحرين واثقين من حالهم الظاهر مثل الشمس، وكان تقديرهم للأمور صائبا منذ البداية: دخل البحرينَ جيشُ العار ليقتل ويدمّر ويشيع فحشاء الطائفية، فكان احتلالا مركبا: حمل معه الاستيلاء على سيادة البلد وقرارها المستقل، والمشاركة في تخريب هويته وثقافة أهله. كان احتلالا عسكريا، وسياسيا، واقتصاديا، وثقافيا.. وأكثر من ذلك، كان مصحوبا بخارطة كاملة من الاضطهاد والفصل الطائفي. بانَ ذلك في البدايات وفي الثواني الأولى، ولم يكن البحرانيون بحاجة لبراعة المحللين، أو لفطنة الخبراء لكي يصلوا لمستوى معرفة أن ما جرى هو احتلال غاشم، وأن خطره أبعد من إجهاض ثورة اللؤلؤة وأبعد من جغرافيا أوال. السر في ذلك بسيط، فالمواطن العادي الذي ينزل للشارع فيراه محتلا بالدبابات، وتُصوَّب منه البنادق والرشاشات على الآمنين، ويرى بأم العين العسكريين الملثمين وهم يهدمون المساجد ويحرقون المصاحف وينتهكون الأعراض والمقدسات.. هذا المواطن أسرع من غيره في اكتشاف الواقع، وتحليل الأمور بـواقعية كاملة. لم يكن الأمر مقتصرا على الرؤية بالعين، أو الإحساس بالألم والمعاناة الشاخصة، ولكن المواطن العادي كان يرى بالبصيرة أيضا، وكان يشعر بأحاسيس الحريص على كرامته، وهو لذلك لم يقف عند حد وصف الأمور كما هي، بل بادر أيضا ومن غير أن ينتظر الأوامر والتنظيرات وتغيرات الإقليم  ليضع العقاب الذي يناسب جنس الجريمة. وهكذا كان المواطنون العاديون الأسرع في القول بأن آل سعود محتلون، وأنهم سرطان خطير، وأن شرور المنطقة تنبع من قرنهم الشيطاني. وعلى هذا المنوال؛ وضع المواطنون القدم على أرض ثابتة، فلم يغيروا من أقوالهم أو يتغيروا بعواصف السياسة وتلوناتها، وأبصروا الأشياء من غير أغلفة الفذلكات اللفظية التي كانت تنظر للسعودية – وهي تُظهر أبشع ما فيها – على أنها شقيقة وليست شقيّة، تلك الفذلكات التي كانت تظن أن الاحتلال العسكري يمكن أن يزول بالتصريحات الدبلوماسية ونقل التعازي وزيارات المجالس.

والحقيقة أن أسبقية المواطنين العاديين في توصيف آل سعود، لم تكن أسبقية في الاكتشاف، أي في اكتشاف حقيقة آل سعود، فالجميع يعرف النظام الوهابي وطينته الإرهابية، ولكن الأسبقية كانت في الإعلان عن ذلك، والتصريح بذلك، والاستمرار في ذلك، وعدم التراجع عن ذلك، وإلى أن بدأ الآخرون – من الأخوة وغير الأخوة – في الالتحاق بهذه الأسبقية، فيعلنون حقيقة آل سعود على الملأ، ويكون كل هؤلاء ملتحقين بالبحرانيين في التوصيف والرؤية والموقف تجاه قبيلة السيوف. ربما كان أمين عام حزب الله، سماحة السيد حسن نصرالله، مضطرا لتأجيل تسجيله هذا الموقف العلني إلى حين العدوان السعودي على اليمن، حيث كانت الجريمة السعودية هناك لا تُوصف، وأن ما كانت تُخفيه من مطامع وشرور أخطر من أن يُلتَزم فيها مع السعوديين التعاطي بالسياسة القديمة. ولكن الأمر غير معذور، أو من الصعب تبريره، بالنسبة للسياسيين من أهل البحرين الذين مكثوا طويلا على حالهم في النأي عن “إزعاج” السعوديين، ومحاولة الميل إليهم لأن “الحل” بيدهم كما يظنون، وإلى أن فجّر سيد المقاومة موقفه الشهير في ٢٠١٥م وقال في “تنابل” آل سعود ما يستحقون من أوصاف.

بالطبع، لا حاجة لإلقاء الملامة، ولا إلى المزايدة، مادام باب التوبة مفتوحا، والتوبة ليست عيبا، ولو لم يقرّ صاحبها بخطئه السابق. والعبرة في النتيجة كما يقولون، والنتيجة اليوم هي أن الجميع، أو يكاد، يتفقون على أكثر العناوين والأوصاف والتقادير التي قالها المواطنون في البحرين حيال آل سعود. ونعيد التذكير بما قاله هؤلاء المواطنون ورموزهم: البحرين محتلة عسكريا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا من قوات السعودية، وقد فعلت قوات درع الجزيرة وقوات الإمارات بالبحرين وأهلها ما يفعله الغزاة القتلة الملوثون بأقذر الخصال، وأنه لا يمكن تحرير الأرض والعباد بأسلوب غير ما فعله المحرِّرون في تاريخ العالم، من الهند وجنوب أفريقيا وإلى فلسطين ولبنان. فالاحتلال واحد هوية وفعلا ونتيجة، وإذا كان البعض يشعر بالعجز أمام الاحتلا؛ فإن عليه ألا يهوِّن من أمره ويُخفف من جرمه، فإرادة التحرير تكون في أول لحظة يقع فيها الاحتلال، والزيت المغلي الذي رماه اللبنانيون على المحلتين الإسرائيليين هو الذي صنع بذرة المجد الذي يرفرف اليوم من ضاحية العز والإباء. هذا درس لا تجزئة فيه، ولا يُوزن بأكثر من ميزان.   

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى