مقالات

“ذباب مايو” ومشانق الإعدام

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: كريم العرادي

كاتب من البحرين

 

أعتقد أن الشاعر والصحافي جعفر الجمري كان دقيقا في وصف جماعات “الجمبزة” بـ”شلّة الأنس”. كان الأمر يتطلب قليلا من تحريك الأصابع الوقحة لتكون أرواح عدد من الأبرياء في عداد الموتى، ولكن التدافع الذي يصنعه منْ يشكك فيهم البزنس محمد حسن العرادي؛ أرعش هذه الأصابع، ولكن ليس إلى حيث الرحمة التي باتت من الأشياء النادرة في أفئدة هؤلاء القتلة. وصل الأمر بالشلّة إياها أن تتراقص فرحاً بتخفيض أحكام الإعدام إلى السجن المؤبد، وأن تزيد على ذلك بترتيل صلوات الشكر والركوع للحاكم الذي تريد منه مزيدا من الخير والبركات! تلك مهزلة لا يمكن أن يستوعبها أعقل العقلاء، ولا أن يفسرها ميشل فوكو نفسه، فهذه الشّلة وجدت نفسها، وهي تتسلى في المياه الآسنة، مدفوعة لكي تحرّك “جزءا من أعضائها” وهي تتلو للناس بيان “جلالة الملك” الرحيم، ويعلن فيه للناس عطفه الكبير باستبدال مشانق الإعدام بزنازن مظلمة في سجون جو سيئة الصيت! يا لها من مكرمة لا يقدّرها إلا عباقرة الجمبزة، الذين يظنون أن صلعتهم يمكن أن تُخفى بالشعر المستعار أو بتواقيع مشبوهة تُمرَّر لعوائل المعتقلين من أجل أن يستمطروا من “الساقط” عفوا وإنفراجات!

تقدم لنا صناديق المرجفين في البحرين أشكالا مختلفة من الجمبزة وفنون الهزّ للسفاحين. وأنا أقترح على المولعين بعلوم الخطاب وتحليل “المؤسسات” الرمزية في المجتمع؛ أن يخصصوا جهودهم الفكرية لتفكيك هذه الصناديق العجيبة، والكشف عن المراحل والأطوار التي تنمو فيها شخصيات لافتة في المجتمع، مثل شخصيات المرجفين، والطّبّالين، وعقارب الرمل، وكيف يصنعون قدراتهم الخلاّبة في القفز من ضفة لأخرى، وفي تجميل القبائح، وفي تحويل قبائل المنكرات إلى واحات الأمل والإنجاز الموعود. ومن المفيد في مثل هذه الدراسات أن يكشف لنا أهل المعرفة الطرائق التي يُحوّل فيها المرجفُ جرائمَ القتل والتعذيب إلى “فرص للمصالحة”، وكيف يُصبح هاتك الأعراض وهادم المساجد “قبلة” للساجدين وبعض رجال الدين! أعرف أن هناك أشياء اسمها الجُبن، والبحث عن المصالح الشخصية، والتعب من النضال، واقتناص اللحظات للتسلق ونيل الأماني، ولكن فنون الإرجاف والتطبيل ولحس الأقدام لدى “شلة الأنس” و”أوركسترا التبول اللا إرداي”.. تفوق مثل هذه الأشياء، حيث تختلط فيها أشياء أخرى يكاد المرء لا يراها إلا في أفلام “الجَنْكَل” و”حرب النجوم”. هي أشياء تجمع الإبهار مع السخافة السافرة، وتخلط العسل مع السم الزعاف، وتحوّل الأدمغة إلى شرائط ورقية لتكون تحت رحمة “الموت القادم من الشرق” كما في الفانتازيا السورية القديمة.

لأسباب كثيرة، أظن أن الذين تراقصوا وطبلوا لقرار حمد عيسى بتخفيض الإعدام إلى المؤبد؛ هم من الأنواع البشرية التي لابد منها. فهم نتيجة طبيعية لهذا النظام المتوحش الذي يهدد الناس بأبشع الانتقامات إذا ما رفضوا أن ينحنوا لأقدامه. فكيف سنعرف ونُقدِّر بطولة وشهامة الناس والنشطاء الصامدين الذين تحدوا هذه الانتقامات والتهديدات، لو لم نر في المقابل شُلل الأنس وفُرق الهزّ والتطبيل وهم يتسابقون في نشر مقاطع “البورنو” السياسي والكلام “الإباحي” في تمجيد حمد ونظامه القاتل؟! ثم بالله عليكم! ألن نكون مخدوعين في وقت الحصاد بالأقنعة وهواة الصعود السريع؛ لو لم يسبق الحصاد وقتٌ خاص للتمحيص والغربال وانكشاف الطيب من الخبيث؟! وعدا عن كل ذلك، فإن لي نظرية خاصة في مقاربة ظاهرة “الشِّلل” و”العبيد الخبثاء”! ولكي أوضح هذه النظرية أطلب من القراء الأعزاء أن يتثقفوا قليلا في الذباب وفي أنواعه، وأن يبحثوا عن نوع من الذباب اسمه “ذباب مايو”. يتكاثر هذا النوع من الذباب بشكل لافت في شهر مايو، بعضها يعيش يوما واحدا وبعضها يمتد لقرابة العام الواحد، ولكن لديها القدرة الفائقة على التكاثر الكبير. في شهر مايو المقبل، علينا أن نتوقع نموا لافتا لشلل “الذباب” في البحرين، وهم في الأصل يتكاثرون في الصيف خاصة، لأن شدة الحرارة تجعلهم في رغبة أكبر للظهور والبحث عن المستنقعات والعفونة. ولكن، سيظل الأمر مجرد “ذباب”، لا يفعل شيئا غير الإزعاج العابر، وبعدها يذهب إلى “الخزي” في الدنيا والآخرة، كما دعا عليهم جعفر الجمري في تغريدته الشجاعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى