مقالات

الاستثمار في الدين العام: كيف ضمن حمد عيسى وعائلته مدخولهم السنوي

 

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: باقر المشهدي

كاتب مختص في شؤون الخليج

 

  • هناك تشكيك في صحة البيانات الاقتصادية في موازنة الدولة.
  • العائلة الحاكمة استثمرت في الدين العام لضمان حصولها على أعلى الفوائد
  • سوف تفرض الحكومة الخليفية مزيد من الضرائب على السكان والمواطنين
  • فوائد الدين العام تُسدَّد لأطراف محسوبة على قوى عائلة آل خليفة.
  • نسبة العجز الحقيقي في موازنة الدولة تكشفه البيانات الختامية للموازنة حيث لا يتعدى 30%

مجموعة أسباب عديدة تقف خلف الانهيار الاقتصادي للدولة في البحرين، ليس من بينها مسألة قلة الموارد أو عدم القدرة على وضع موازنة تخفف من تضخم الدين العام المرهق للاقتصاد. فما يبدو من سطح الأزمة الاقتصادية في البحرين هو ارتفاع الدين العام لمستويات مقلقة جدا، أدت إلى ارتفاع سعر صرف الدولار الأسبوع الماضي أمام الدينار المحلي. ومن السطح أيضا توجه الحكومة القائمة إلى فرض مزيد من الضرائب على السكان والمواطنين، والسعي الحثيث لتقليل النفقات العامة. الواقع في قاع هذا السطح الملتهب والمتموج؛ يحمل تساؤلا حول حقيقة الأزمة الاقتصادية، وما إذا كانت أزمة مصطنعة أو أزمة مختلقة لتوظيفها في أغراض سياسية واقتصادية.

الذي يزيد الشكوك أكثر هو أن نسبة كبيرة من القروض المتصلة بالدين العام هي قروض محلية، ولا تُتاح معلومات مؤكدة عن الجهات المقرضة للدولة. وإذا ما تم شبك هذه الشكوك مع نسبة الفائدة العالية لتلك القروض والتي تستنزف الموازنة بما يقارب نص المليار دينار سنويا؛ فإن المسألة تصبح أكثر ارتيابا. فبالرجوع إلى مفاتيح الأزمة الاقتصادية نتفاجأ بأن هناك معلومات مضللة وغير متوازنة منذ 2011 على الأقل، حيث يبدأ الدين العام في الارتفاع السريع جدا وبنسبة عالية غير مألوفة في دورات الاقتصاد البحرين طوال الثلاثين سنة الماضية.

بطبيعة الحال، لا يمكن فصل الانهيار الاقتصادي عن مجموعة عوامل الفساد التي تنخر في بنية الدولة، بل يمكن القول إن الفساد التي تغلغل عميقا أوجد دولة فاشلة في العمق، لكنها مغطاة بقشرة من الاستقرار والحماية الخارجية. عوامل الفساد في اقتصاد البحرين تختلف عن عوامل الفساد في الدول الأخرى بحكم أن بنية السلطة في البحرين مبنية على التحكم التام والكامل في مفاصل السياسات الداخلية، وبكل أشكالها، بدءً من الضبط الصحي وحتى الضبط السياسي، وكل ذلك بيد مجموعة صغيرة من العائلة الحاكمة منذ عقود. وهذا ما يجعل فساد الدولة في البحرين مختلفا عن الفساد الشائع في الدول الأخرى، إما من جهة المدة الزمنية الطويلة التي حكمت فيها العائلة البحرين ( 250 سنة) أو من جهة الاحتكار الفعال لموارد الدولة وصرفها، أو حتى من جهة توزيع الموارد والفرص الاقتصادية على السكان والمواطنين والمستثمرين.

لنعود قليلا إلى ما قبل 2001 وتحديدا في 2008 عندما طُرحت قضية وزارة الدفاع والمبالغ المالية التي صُرفت لها خارج إطار الموازنة والتي قُدِّرت وقتها بحوالي 40 مليون دينار، وقتها بادر حمد عيسى إلى إقرار تعديل قانوني على الحكومة وفصل بموجبه وزارة الدفاع عن ما تُسمى قوة دفاع البحرين لتكون وزارة الدفاع المسؤولة أمام مجلس النواب، باعتبارها وزارة خدمية غير معنية بأموال وسياسات قوة دفاع البحرين التي تخضع منذ تشكليها لحمد نفسه وخليفة أحمد المعروف بالمشير، والذي ينحدر من جناح الخوالد سيء الصيت. وكان وضاحا أن الهدف من هذا التعديل هو حماية الخزينة الاقتصادية لقوة دفاع البحرين من المراقبة والمساءلة البرلمانية.

 

صراع قوى على الاقتصاد

 

في الفترة نفسها برز المجلس الاقتصادي بقيادة ولي العهد سلمان حمد بوصفه قوة “اقتصاد سياسي” نافذة تُصارع قوة رئيس الوزراء الاقتصادية وتحكُُمه في مفاصل الدولة. منذ تلك اللحظة بدأت معالم الصراع الاقتصادي تأخذ مسارا مختلفا عن المسار التاريخي الذي سارت عليه الدولة منذ الاستقلال. فقد أصبح الصراع يدور بين ثلاث قوى سياسية على ثروة ضخمة من عائدات النفط الذي وصل سعر البرميل وقتها لأكثر من 100 دولار. القوة الأولى هي القوة التقليدية التي يقودها رئيس الوزراء، مقابل القوة الموازية له وهي قوة الخوالد، وأُضيف إليها قوة سلمان حمد الصاعد حديثا والذي كان يحظى بدعم الولايات المتحدة الامريكية وقتها.

مع انخفاض أسعار النفط لأكثر من 50% أصبح العائد الاقتصادي غير قادر على تغطية متطلبات القوى الثلاث المتصارعة على الثروة الاقتصادية، في الوقت الذي لم تكف هذه القوى عن المطالبة بحصتها كما كانت قبل انهيار أسعار النفط، وهذا يعني أن مزيدا من تضخم أموال الخزينة العامة سيكون هو المخرج الاقتصادي لأزمة تلك القوى وقدرتها على الاحتفاظ بفائض مدخول الدولة ومستوى تدفق الأموال إلى ثرواتها.

ساعدت أحداث 2011 الاقتصادية على تنامي الصراع بين تلك القوى الثلاث وحددت أيضا خيارات كل قوة اقتصادية، ففي الوقت الذي سارعت فيه قوة الخوالد على تنمية ترسانتها العسكرية والاقتصادية مستفيدة من تصاعد الأحداث السياسية في المنطقة وحصول البحرين على مارشيال خليجي بقيمة 10 مليار دولار؛ سعت قوة رئيس الوزراء إلى المحافظة على خزينتها الاقتصادية والثروات التي راكمها طوال 40 سنة الماضية، في حين كان ولي العهد يبحث عن فرص جديدة لبناء أمبراطورتيه الاقتصادية في سباق واضح مع أخيه غير الشقيق ناصر حمد.

في كل الأحوال؛ كان انهيار أسعار النفط كارثة اقتصادية حقيقة على دول المنطقة، لكنها كارثة أشد على مخزون تلك القوى الثلاث، المالي والاستثماري، الذي تعرض لشبه انهيار تام. في هذا الوقت العصيب أصحبت فكرة الاستثمار في الدين العام فرصة مؤاتية لتلك القوى حيث يضمن لها ذلك جني فوائد مالية عالية دون الوقوع في مخاطرة الاستثمار المنهار. هنا أصبحت الدولة تزيد من حدة الاقتراض الداخلي، والذي لن يكون سوى المحافظ المالية المتعددة لتلك القوى المتنافسة.

عبر هذا الاستثمار سوف تجني الأطراف المقرضة فوائد الدين دون عمل وبقيمة أكبر من قيمة أي استثمار. وهذا ما يفسر ارتفاع الدين العام بشكل تصاعدي بعد 2011. وتوفر بيانات الحسابات الختامية للدولة مؤشرات واضحة على صدق التفسير السابق، حيث لا تتعدى نسبة صرف موازنة المشاريع والتي تشكل حوالي 40% من إجمالي موازنة الدولة سوى 30% فيما عدا وزارة الداخلية وقوة الدفاع حيث يتم صرف كامل المبالغ المخصصة لمشاريعهما. أما فائض الموازنة فيذهب لتغطية فوائد الدين العام التابعة للقوى الثلاث.

نتيجة لذلك؛ سوف تزيد حدة ارتفاع الدين العام وسوف يتم قبول كافة توصيات صندوق القد الدولي في تحويل الدولة إلى دولة ضرائب شاملة بما يرهق السكان والمواطنين في الوقت الذي سوف تؤمن فيه العائلة الحاكمة مدخولها الاقتصادي من خلال الاستثمار في الدين العام ولو على حساب اقتصاد الدولة وانهياره.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى