مقالات

خطاب السيد حسن نصر الله: البحرين ليست مختلفة عن لبنان

 

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: باقر المشهدي

كاتب متخصص في شؤون الخليج

 

الذين تابعوا خطاب السّيد حسن نصر االله في ذكرى حرب تموز؛ يدركون بوضوح أن مسار عمل حزب الله، طوال عقدين من الزمن؛ قد شهد الكثير من التحوّلات المهمة، وذات البعد الإستراتيجي. خطاب السيد نصر الله كان مليئا بالإشارات إلى قدرة الحزب على تغيير معادلات الصراع لصالحه، وقدرته على قراءة الواقع المحيط به بعنايةٍ فائقة، بالإضافة إلى إدراك الحزب لمتغيرات الإقليم وإستراتيجيات العدو المحيط به.

السؤال الذي أحاول التفكُّر فيه هو: كيف يقرأ البحرانيّون خطابات السّيد حسن نصر الله؟

من الواضح في الخطاب الأخير أن السّيد نصر الله لم يأتِ على ذكر البحرين، خلافا لمجمل الخطابات السابقة التي يستعرض فيها مواقف الحزب من قضية البحرين، ومن الظلامة الكبرى التي يتعرض لها شعب البحرين.  بالتأكيد، فإن ارتباط قضية البحرين بمحور المقاومة هو ارتباط واقعي، يدركه كلُّ منْ لديه أدنى اطلاع على مجريات الأحداث، على الأقل منذ 2011 وحتى الآن. أكثر من ذلك فإن تعقُّد الحل في البحرين يرجع في جزءٍ كبير منه إلى تصنيف البحرين من قبل دوائر اتخاذ القرار في المنطقة على أنها ضمن محور المقاومة، وبالتالي لا يمكن تقديم تنازلاتٍ سياسيّة فيها أو حتى تسوية تصبُّ في صالح تقوية محور المقاومة. فهذا الارتباط العاطفي من قبل البحرانيين يقابله عداءٌ علني من قبل أعداء محور المقاومة بشتى أصنافهم، الأمر الذي يجعل من قضية البحرين حاضرةً في الأوراق التفاوضية بشكلٍ مباشر وغير مباشر.

معنى ذلك، إن حديث السيد حسن نصر الله عن انتصاراتٍ المقاومة وصوابية رؤيتها يفهمه البحرانيون على أنه انتصار لهم أيضا، وتثبيت لهم في مواقعهم السّياسية، وربما قرأ البعض خطاب القوة الذي ألقاه السيد قبل عدة أيام على أنه تبشير بانتصار قضية البحرين أيضا، انطلاقا من علاقة منطقية تفيد أن انتصار المركز يؤثر في انتصار الأطراف.

في كل الأحوال؛ فإن الدّرس الغائب في قراءة البحرانيين لخطابات السيد حسن نصرالله، وهو درس طالما كرّره السيد نفسه في أكثر من خطاب، هو أهمية تحصين البيئة المحلية من الصّراعات الداخلية، وتأمين الجدار الخلفي للحركة السّياسة أو العسكرية. فمن دون هذا الجدار يصعب تحقيق أيّ انجاز على أرض الواقع، وبالتالي يصعب القول بقدرة أيّ حركة على تغيير معادلات الصراع لصالحها.

هذا الأمر يمثل الدرس الأول لأي تنظيم سياسي، ويعتبر من أبجديات العمل الحركي لأي جماعة تستهدف إحداث تغيير حقيقي في واقعها السّياسي. والقاعدة الصريحة هنا تنصُّ على أنّ منْ لا يتقن الدّرس الأول لن يُحسن بقية الدروس حتما. ففشل الحركات السياسية العربية وإخفاقها في تحقيق أهدافها المكتوبة في برامجها السياسية؛ يعود إلى فشلها في اتقان هذا الدرس وتطبيقه عمليا. أما الركون لبطش الأنظمة واختراقها لمنظومة العمل فلن تكون سوى نتائج متوقعة لغياب الجدار الآمن الذي يجب أن تتقوّى به أي حركة تغييرية.

السيد حسن تكلم في الجزء الأخير من خطابه عن علاقة الحزب بحركة أمل، وتعمد أن يذكر نبيه بري ليؤكد على تلك العلاقة غير الاعتيادية ودورها المحوري في تحقيق الانتصار والإنجاز. العودة إلى تاريخ تلك العلاقة يفيد جيدا في فهم الدرس الذي يقدمه السيد حسن نصر الله للبحارنة وغيرهم. فما جرى بين حزب الله وحركة أمل من تقاتل وحرب طاحنة لم يحدث بين الفرقاء السياسيين في البحرين مثلا، أو في غيرها من المجتمعات المعنية بامتثال خطاب محور المقاومة. وعبر طي تلك الصفحة المؤلمة؛ استطاعت المقاومة أن تُحرز انتصاراتها على عدوها، وأن ترسّخ مقولة الجدار الآمن للعمل السياسي والميداني.

هذا المعنى الأخير من شأنه أن يطيح بـ”نظرية انتصار المركز يعني انتصار الأطراف”. فالأطراف التي لم تحقق القدر الأدنى من التحصين الذاتي لا يمكنها أن تستفيد من الانتصارات التي يحققها المركز، إلا في طابعها العاطفي أو الشكلي، في حين أن الموضوع يتطلب أن تكون قوى المعارضة البحرانية على قدر المسؤولية التاريخية، وأن تنجز مشروعها في بناء الجدار الآمن، لا لكي تستفيد من انتصارات الآخرين، ولكن لكي تحقق انتصارها الذاتي أيضا.

وإذا كانت هناك مساحة من مراجعة المواقف؛ فإن مراجعة العلاقات البينية والسعي لتخطي أزمة عدم الثقة بين الأطراف ستكون من ضمن أهم الأولويات التي يجب أن تُقر في ميثاق الشرف السّياسي المأمول.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى