مقالات

أبو أمل.. وأبو آدم: وجهان من بلادي

 

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: كريم العرادي

كاتب من البحرين

 

أنا شخصياً أميلُ لليسار، لأني لم أر الثورة إلا عند اليساريين، ولم أغيّر وجهتي إلا بعد ثورة الإمام الخميني. ولكن ظل عندي حنين إلى اليساريين، وخاصة أبو أمل، عبد الرحمن النعيمي. أعلم أن هناك الكثير من الأفكار التي تغيرت لدى اليساريين، وخاصة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وانهيار جدار برلين، ولكن ما يجذبني إلى النعيمي، بالفعل، هو أنه كائن إنساني، محمول بالنضال من أجل الشعوب.

روح الإنسان، والنضال، هو أبرز خصال هذا الرجل المحترم. لهذا السبب، ومنذ عودته إلى البحرين، كنت من الأشخاص المتحمسين له، وأعتقد أن رهاني عليه لم يخسر، فكان من الشخصيات الوطنية القليلة التي ثبتت على مبائها، ولم تغريها المناصب ولا الأموال، وحافظ على توازنه الوطني رغم الزلازل الشديدة التي مرت بالبلاد، وخاصة أن عددا من رفاق دربه انحرفوا عن النضال، وحوّلوا وجهتهم إلى الدينار والدرهم.

وعلى الرغم من رحيله المؤلم، والذي شكّل خسارة كبيرة، إلا أن وجود إبراهيم شريف يجعل المرء، المؤمن بالنعيمي، أقل حزنا. المدرسة التي جسّدها النعيمي يمكن رؤية معالمها الفكرية والعملية في المناضل شريف. والغريب أن إحساسي القديم بالميل إلى اليساريين، اشتعل أكثر بعد التجربة التي خاضها إبراهيم شريف، سواء في الثورة عام 2011م، أو بعد سجنه، أو بعد السجن. هو الرجل الوحيد، كما أظن، الذي دخل سجون آل خليفة، ولكنه لم يصمت. ربما هناك غيره من الذين تعرضوا للسجن أو للتحقيق القاسي، ولازالوا يتحدثون، إلا أن أكثر أحاديثهم محفوفة التورية أو بلغة معارضة ناعمة. شريف على العكس، ظهر من السجن بثورية أكبر، وإصرار أشد، ولم ينتظر “نقاهة” بعد السجن لكي يلتقط الأنفاس، أو يدرس الساحة، بل ربط الفاصلة بالفاصلة، ولم يتأخر في التصريح وتحديد مواقفه بصراحة. والشيء الأهم هو أنني أرى فيه روح النعيمي، وثباته الوطني، وأفكاره العابرة للطوائف.

 

غير بعيد عن هذه الأجواء، كان الإنشداد بنبيل رجب. أبو آدم خاض أكثر من تجربة أيضا. تم الاعتداء عليه بالضرب، وتعرض للاعتقال والتعذيب النفسي، والتهديدات لم تتوقف عنه، وكذلك الإغراءات كانت لا تحصى. لكن الرجل أثبت بأنه صمود بالفعل. وقد تكون تجربته الحقيقية في الصمود هي في السنة الأولى في الثورة، عندما تم اعتقال كل الرموز والقادة، واختفى الكثيرون عن المشهد خوفا من جيش آل سعود، ولكن رجب كان الشخص الأبرز الذي ظل يتحدث، وينزل في الميدان، ويزور الضحايا، والأهالي، وينتقل بالزلابية من مكان لآخر، كما كان حسابه في تويتر ملجأ للناس، لكي يتعرفوا على آخر الأحداث، ويقتبسوا الصبر والأمل في نفس الوقت.

رحم الله النعيمي.. أبا أمل.. وفرّج الله عن رجب.. أبي آدم.

الأمل لازال موجودا في التيار الذي يمثله النعيمي، بفضل وجود إبراهيم شريف. والعمل الحقوقي الذي يريد البعض أن يحوله إلى مهنة مكتبية أو منصة للبهرجة والأتيكيت، ظل عملا نضاليا بحد ذاته، كما خطط له الرمز عبدالهادي الخواجة، وجسّده أكمل تجسيد نبيل رجب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى