مقالات

طموح الخائب: “المشير” وعودة الحكم العسكري

 

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: باقر المشهدي

مختص في شؤون الخليج

من طبيعة المجتمعات أن تكون لها ذاكرة تاريخية تستعيد من خلالها خبراتها السياسية. والذاكرة البحرانية لا تزال طرية في استذكار واستحضار خبرتها مع الحكم العسكري العلني الذي مارس أبشع أنواع الحكم في الفترة من مارس إلى أغسطس من عام ٢٠١١. فخلال هذه الفترة القصيرة كان ما نسبته ١% من الطائفة الشيعة معرض لأن يحاكم محاكمة عسكرية بتهم الحريات العامة. دعك عن تعرض ما يقارب من ٣٥٠ ألف من المواطنين لشتى صنوف التمييز والإهانات العلنية.

في كل الأحوال؛ فذاكرة الناس في البحرين حول الحكم العسكري ذاكرة تمتد لتاريخ أطول، وإلى مشاهد عسكرية عنيفة أشد أيضا، ليس هنا محل استعراضها، فمنذ ١٧٨٣ ونظام الحكم في البحرين يغلب عليه الطابع العسكري عموما. ازاد هذا الطابع وضوحا مع تسلم أول عسكري نظامي زمام الحكم في ١٩٩٩ وتشكيل الحكومات التالية من ضباط سابقين في الجيش أو الأمن الوطني أو الداخلية. وهذا ما يتأكد من خلال تحليل الحكومات التي تشكلت منذ ١٩٩٩ وحتى الآن، ومن خلال تحليل الموازنات العامة للدولة والتي يُخصّص أكثر من ثلثها عامة للأغراض والنفقات العسكرية.

في أكثر من موقع تمت الإشارة إلى أن “المشير” خليفة أحمد الخليفة لم يكن ليقبل مسألة إعادته إلى مقره الصحراوي في “الصخير”، وإبعاده عن الحكم العسكري الذي طمح في أن يكون مستمرا فيه، ولو بطريقة فيها احتيال على الدستور والقانون. لهذا عمل جاهدا وبكل قوته الإعلامية وسطوته السياسية واستثمار أخيه وزير الديوان الملكي؛ لأن يعود إلى الواجهة أو أن يبقى في المشهد السياسي. والذي يتابع أخبار البحرين المحلية ونمط إخراجها؛ يلاحظ بوضوح “هوس” المشير في الظهور كطرف سياسي قوي وكفاعل رئيسي في المسرحيات السياسية، ولعل مقابلته الصحيفة التي أجريت معه في يوليو ٢٠١٤ فترة الدعوة إلى حركة ” تمرد”؛ تكشف الكثير من ما تقدم وتعطي الصورة النمطية لحاكم صحراء الصخير.

كل المحاولات والأفعال البعثية التي تلت عودة “المشير” إلى الصحراء؛ كانت بالفعل عبثية، لأنها لم ترتق لطموحات المشير السياسية وكان التوجه يقوم على تحقيق أحد الأمرين التاليين:

– الأمر الأول: أن يعود المشير إلى الحكم ويتولى سدة الحكم بلباس مدني، وهنا نستطيع تفسير إبرازه في بعض الصور بلباس مدني مقابل اللباس العسكري الرسمي.

– الأمر الثاني: التحايل على الدستور وتعديله لضمان حضوره الدائم والمستمر قانونيا.

رغم كل المحاولات؛ فشل المشير في المسار الأول أو لا يزال يحاول فيه، لكنه في المسار الثاني استطاع أن ينجز ما طمح إليه وهو إجراء تعديل دستوري يتيح له ممارسة السلطة كما يشاء. وبالفعل تقدّم الحاكم الخليفي بمرسوم تعديل دستوري أتاح من خلاله للقضاء العسكري بأن يمارس نفوذه على المواطنين المدنيين، وأن يتخلص من أية تبعات قانونية تعيق ممارسته لسطوة الحكم ورغبة الانتقام والتشفي.

في هذا السياق من المهم الرجوع إلى تصريح وزير العدل في الحكومة خالد الخليفة – والذي يعتبر الابن البار والمخلص للمشير والحكم العسكري – حيث صرح لأعضاء مجلس الشورى في مارس ٢٠١٧ بشأن التعديل الدستوري الذي أجاز محاكمة المدنيين في محاكم عسكرية بقوله أن الدستور الحالي لا يسمح بمحاكمة المدنيين في محاكم عسكرية؛ إلا في حالة إعلان الاحكام العرفية، وأن التعديل المقدم سيسمح للحاكم العسكرية أن تحاكم المدنيين أيضا”. وهكذا تجتمع حماقة المشير وسخافة الوزير معا. فوظيفة التعديل الدستوري إذا كانت إعلان الاحكام العرفية بطريقة دستورية لا تثير اللغط ولا تسبب الحرج.

بعد فترة قصيرة ووجيزة من الانتهاء من التعديل الدستوري مارس المشير “حاكم الصحراء” مهامه بطريقة خفية أيضا، فكانت أولى جولاته اقتحام قرية الدراز وارتكاب أكبر مجزرة دموية فيها. حيث قامت قوات عسكرية باقتحام الدراز وقتل خمسة شباب كانوا معتصمين حول منزل الشيخ آية عيسى أحمد قاسم. كانت حادثة فض الاعصام من أمام منزل الشيخ قاسم حادثة فريدة من نوعها وفي كيفية وقوعها، وعلى مستوى تاريخ البحرين. وقد مهّد المشير لهذا الاقتحام بعدة جولات أمنية كلها تلت مسألة التعديل الدستوري، ويُنقل هنا أن موكبا أمنيا تحت حراسة أمنية واسعة قد زار منطقة الدراز قبيل الاقتحام والمجزرة في مايو ٢٠١٧م.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى