ما وراء الخبر

هل ستصبح الحرب على اليمن آخر حروب السعودية؟

من الرياض-البحرين ليوم

لم يكد يمضي سوى أسبوعين على المبادرة التي أعلن عنها مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي في صنعاء يوم 20 سبتمبر، لوقف إطلاق النار في اليمن إلا وتواترت الأنباء التي تشير إلى أن المملكة العربية السعودية تعكف على دراسة هذه المبادرة. فقد كشفت ثلاثة مصادر دبلوماسية ومصدران مطلعان آخران لرويترز عن أن المملكة تدرس بجدية شكلا من أشكال وقف إطلاق النار في محاولة لوقف الحرب المستمرة على اليمن منذ أربعة أعوام ونصف العام.

وقال مسؤول إقليمي مطلع إن السعوديين يدرسون العرض قائلا “يبدو أنهم منفتحون عليه“. وبالمقابل قال مصدر عسكري كبير في اليمن إن السعودية “فتحت اتصالا” مع مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى عبر طرف ثالث لكن لم يتم التوصل لإتفاق لحد الآن.

وقال دبلوماسي أوروبي “يريد محمد بن سلمان الخروج من اليمن لذا علينا أن نجد سبيلا له للخروج مع حفظ ماء الوجه”. فيما قال دبلوماسي آخر إن موافقة السعودية على وقف الغارات الجوية سيعني فعليا نهاية الحرب لأن السعودية لا تملك قدرات كبيرة على الأرض.

هذه التطورات أثارت تساؤلات عن الأسباب التي دفعت بالسعودية ولأول مرة منذ قرابة الخمس سنوات، إلى التفكير في وقف حربها العدوانية على اليمن, بالرغم من عشرات النداءات الدولية التي ناشدت السعودية وقف هذه الحرب التي تشنها على أفقر دولة عربية، ولم تسفر إلا عن سقوط عن آلاف الضحايا، وتهجير الملايين من اليمنيين، وإدخال البلاد في كارثة إنسانية هي الأسوأ في العصر الحديث بحسب تقييم هيئة الأمم المتحدة.

ولعل أول هذه الأسباب هو فشل السعودية في تحقيق أهدافها التي أعلنتها في مارس 2015 وهي ”إعادة الشرعية“ لحكم الرئيس عبدربه هادي منصور وإخراج أنصار الله من العاصمة صنعاء. إذ لم تفلح هذه الحرب في تحقيق هذا الهدف، بل إنها انتهت بالقضاء على ما تبقى من حكومة هادي عبر طرد هذه الحكومة من مدينة عدن وسيطرة المجلس الإنتقالي المدعوم من الإمارات الحليف الأساسي للسعودية في هذه الحرب، مما يؤشر على تفكك هذا التحالف واختلاف رؤى أطرافه حول كيفية معالجة التطورات الإقليمية.

لقد أيقنت السعودية وبعد هذه السنوات أنها فشلت فشلا ذريعا في القضاء على حركة انصار الله واستعادة الهيمنة على اليمن، بالرغم من اختلال موازين القوى العسكرية لصالحها. فالسعودية شنت آلاف الغارات الجوية على اليمن، وهي تحظى بدعم لوجستي ومخابراتي من أمريكا وبريطانيا وإسرائيل، لكنها ظلت عاجزة عن حسم المعركة مع أهل اليمن الذين يدافعون عن أرضهم وعن استقلال بلادهم.

واما العامل الإقتصادي فقد كان حاسما، إذ انهكت هذه الحرب الإقتصاد السعودي وقد ظهر ذلك منذ العام الأول لبدء هذه الحرب. فقد كلفت الحرب موازنة السعودية في العام الأول لبدءها فقط مبلغ5.3 مليار دولار، حسب تقارير سعودية، كما تركت آثارا غير مسبوقة على الإحتياطات الأجنبية السعودية،خلال ذلك العام إذ انخفضت الإحتياطات الأجنبية السعودية من 732 مليار دولار إلى 623 مليار دولار في أقل من 12 شهرا.

وأما العامل الآخر فهو الذي الحرج وقعت فيه العديد من الدول المصدّرة للسلاح في العالم من مشاركتها في تأجيج نار هذه الحرب عبر صادرات الأسلحة إلى السعودية، فقد تحولت هذه الصادرات إلى قضية رأي عام في العديد من تلك الدول مما أجبرها على وقف تلك الصادرات إلى السعودية وكما حصل في بريطانيا عندما أوقفت الحكومة إصدار المزيد من تراخيص تصدير السلاح بعد قرار ملزم من المحكمة البريطانية العليا.

وتعتبر تطورات النزاع الأمريكي الإيراني أحد العوامل التي أجبرت السعودية على التفكير مليا في أي مبادرة لوقف الحرب وأخذها على محمل الجد. فقد أظهرت تطورات هذا النزاع أن الإدارة الأمريكية تخلت عن حماية السعودية، وكما حصل عند استهداف ناقلات النفط في الخليج. بل إن الولايات المتحدة لم ترد على إسقاط ايران لطائرة مسيرة أمريكية، واكتفت بفرض عقوبات. وهذا ما جعل السعودية تدرك بانها مكشوفة الظهر وأن الراعي الأمريكي تركها وحيدة في وضع لا تحسد عليه، إذ ليس لديها أي قدرة لمواجهة ايران.

وأما العامل الأخير فهو التطور النوعي في قدرات اليمنيين، الذين نجحوا في أخذ زمام المبادرة في هذه الحرب، عبر استهدافهم للعمق السعودي بالصواريخ والطائرات المسيّرة. ولم تعد تهديدات اليمنيين العسكرية تقتصر على الحدود الجنوبية، وإنما باتت السعودية مهددة في قلبها ومنشآتها الحيوية، خاصة النفطية منها، إلى جانب المطارات.

وكانت آخر تلك الإستهدافات هو ضرب منشأتي بقيق وخريص التابعتين لشركة أرامكو شرقي المملكة بطائرات مسيرة، حيث أدت الضربات إلى خفض إنتاج المملكة من النفط الخام بمقدار 5.7 ملايين برميل في اليوم، وهو ما يعادل نصف إنتاجها اليومي من النفط.

لكن السعودية وبرغم إدراكها لكل هذه المتغيرات التي لا تصب لصالحها, يبدو انها تجد صعوبة في تقبل واقع خسارتها لهذا الحرب ولهذا فهي تماطل بقبول هذه المبادرة وتعرض وقفا محدودا لوقف إطلاق النار, سرعان ما رفضه اليمنيون. إلا أن جميع المؤشرات تدل على ان السعودية بصدد رفع راية الإستسلام وستكون الحرب على اليمن آخر حروب السعودية في المنطقة, ولن تتجرأ بعدها على إعلان الحرب على أضعف دولة في المنطقة, فقد ظهر بشكل جلي ومن خلال الحرب على اليمن, أن السعودية أعجز من ان تدافع عن نفسها فضلا عن تتجرأ على الإعتداء على دول الجوار مستقبلا !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى