ساهر عريبيمقالات

تداعيات قرار المحكمة البريطانية بإسقاط حصانة ناصر حمد الخليفة

ساهر عريبي - إعلامي -  لندن
ساهر عريبي – إعلامي – لندن

أثار القرار الذي أصدرته المحكمة الملكية البريطانية يوم الثلاثاء الماضي، السابع من اكتوبر، والقاضي بأن ناصر حمد الخليفة، نجل حاكم البحرين، ليس لديه حصانة تحميه من الملاحقة القضائية على خلفية اتهامه بممارسة التعذيب في البحرين؛ (أثار) جملة من ردود الأفعال على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، فيما حاز القرار على اهتمام محتلف وسائل الإعلام العالمية التي حضر عدد منها جلسة المحكمة.

وتعكس ردود الفعل المحلية والإقليمية والدولية أهمية هذا القرار، الذي من المؤكد أن تكون تكون له تداعيات على هذه الصعد. فعلى الصعيد المحلي؛ شكل هذا القرار حالة من الصدمة لدى عائلة آل خليفة الحاكمة في البحرين. فالعائلة الخليفية تحتفظ بعلاقات وثيقة مع بريطانيا، تعود جذورها إلى القرن الثامن عشر، كما أن الحكومة البريطانية الحالية من أشد الحكومات المدافعة عن النظام في البحرين، وتحتفظ معه بعلاقات تجارية وعسكرية واسعة، إلى الحد الذي غضّت فيه الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان الواسعة في البحرين، والتي أدانتها مختلف الدول، وفي طليعتها أمريكا والاتحاد الأوروبي. ولذلك، لم تكن العائلة الخليفية تتوقع صدور مثل هذا القرار، وكانت تتصوّر أن السلطة القضائية، وكما هي عليه الحال في البحرين، واقعة في قبضة ملكة بريطانيا أو بيد رئيس الوزراء.

ومن ناحية أخرى، فإن القرار استهدف “الابن المدلل” لملك البحرين، الذي طالما روّج له النظام بوصفه شاعرا وفارسا، وإذا بصورته تبدو أمام العالم بشعة، واقترن اسمه بممارسات بعيدة عن الروح والقيم الإنسانية، ألا وهي تعذيبه وبيديه لمواطنين بحرانيين، لا ذنب لهم سوى مطالبتهم بالديمقراطية. ونتيجة لذلك، تخبط الإعلام الرسمي في البحرين في التعاطي مع هذا القرار، فهو تارة يُكذّبه، ويدّعي بأن وسائل الإعلام العالمية الشهيرة، مثل البي بي سي، قد خُدعت، وتارة يدعي اعتذار هذه الوسائل لنشرها الخبر، وتارة يطلق حملاتٍ لتلميع صورة الجلاد نار، مثل حملة “كلنا ناصر” على شبكة التواصل الاجتماعي توتر، وتارة عبر التقليل من شأن القرار وآثاره.

بناءاً على ذلك، يبدو إن تداعيات هذا القرار ستكون كبيرة، ليس على صعيد العائلة الخليفية فحسب، بل على عموم حكام الخليج. وأما على الصعيد الشعبي؛ فإن هذا القرار أعطى الشعب البحراني دفعة معنوية كبيرة، إذ أثبت هذا الشعب  المسالم  الذي يتعرض إلى بطش آلة قمع النظام القاسية، ويُعاني أبناؤه من التعذيب في المعتقلات على أيدي أفراد في العائلة الحاكمة؛ (أثبت) هذا الشعب أنه قادر على الانتصار على السلطة بالرغم من أن ميزان القوى يميل لصالحها، وبأن الناشطين البحرانيين، ممن كانوا ضحايا للنظام سواء في المعتقلات أو على صعيد تجريدهم من جنسيتهم البحرانية؛ قادرون على إلحاق الهزيمة بالنظام في المحافل الدولية.

وأما على صعيد العائلة الخليفية؛ فإن هذا القرار يعتبر ضربة موجعة لها، فهو من ناحية قد سلط الضوء على ممارسات التعذيب الجارية في البحرين، وعلى أوضاع حقوق الإنسان فيها، وهي التي تنفق ملايين الدولارات على شبكات العلاقات العامة لتلميع صورتها دوليا. لقد بات واضحاً للعالم بأن التعذيب يمارسه عضو في العائلة الحاكمة، وهو دليل كبير على أنه سياسة حكومية ممنهجة تحظى بدعم من الأسرة الحاكمة.

ومن ناحية أخرى، فإن صفة التعذيب ستظل ملاصقة لناصر حمد في حلّه وفي ترحاله، وخاصة في حال قدومه لزيارة الدول الأوروبية. وحالما يتم رفع قضية ضده لدى الشرطة، وهو أمر متوقع، فإنه سيكون معرضا للمساءلة والاعتقال فور دخوله المملكة المتحدة. ولذلك، فإن حالة الخوف والهلع ستظل ملازمة للجلاد ناصر.

ولن يُغيّر من ذلك الحال فيما لو أعطته الحكومة البريطانية حصانة استثنائية، كما منحت رئيسة الوزراء الإسرائيلية تسيبي ليفني سابقا؛ فإن مثل هذا القرار – وهو مستبعد – سوف يشكل مصدر حرج للحكومة البريطانية، وسيُظهرها للرأي العام على أنها حامية للمعذبين، وستكون محلّ استهداف وسائل الإعلام، وبما يؤدي ربما إلى استقاتها. وعليه، فمن المرجح ألا يحصل ناصر على أية حصانة استنائية. وهو الواقع الذي يضعه أمام عدة خيارات، أحلاها مرّ. وأولها مجيئه لبريطانيا وذهابه إلى الشرطة لغرض التحقيق، وهو أمر فيه مجازفة كبيرة، ومن المحتمل اعتقاله ومحاكمته نظرا للأدلة الدامغة التي يمتلها فريق الدفاع عن الضحية (FF ) والذي أعلن عن تسليمها لقسم جرائم الحرب في سكوتلانديارد. كما وأن تورط ناصر في التعذيب – وهو أمر لا شك فيه – سيجعله يفكر ألف مرة قبل اتخاذ مثل هذا القرار.

واما الخيار الثاني فيتمثل بتغيير مسؤولياته الرسيمة، من رئيس للحرس الوطني إلى منصب دبلوماسي آخر، ولا يبدو أن ذلك سيحميه، فهو سيواجه ذات المصاعب الآنفة الذكر،  فضلا عن كون مثل هذا القرار سيعني تهربا حكوميا وتنازلا من النظام. ولذلك، فإن التداعي الأكبر لهذا القرار هو تلطخ سمعة ناصر الخليفة، وحتى في حال مثوله للتحقيق وتبرئته من تهمة التعذيب؛ فإن القرار سيعود إلى عدم كفاية الأدلة، وليس لعدم وقوع الفعل. وفي كل الأحوال، سيصبح ناصر كالطاعون الذي لن يقترب منه أي دبلوماسي أوروبي خشية من وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية الدولية.

وأما على الصعيد الإقليمي، وخاصة الخليجي، فإن في القرار البريطاني رسالة إلى حكام الخليج مفادها بأنه لا يوجد عضو في أي أسرة حاكمة بمأمن من الملاحقة القانونية، وهو ما يفسر سر الامتعاض الخليجي الذي عبر عنه مسؤول إماراتي.  فهو يفتح الباب على مصراعيه لرفع دعاوى ضد أفراد في الأسر الحاكمة، وعلى خلفيات شتى، وخاصة على صعيد تعذيب الناشطين أو المستخدمين، وكما كشفت عنه العديد من أشرطة الفيديو. ولهذا السّبت، فإن حكام الخليج، وخاصة في السعودية والإمارات والبحرين، سيسعون خلال الفترة القادمة إلى تحجيم تداعيات هذا القرار ومحاصرته. وأما على الصعيد الدولي، فرسالة المحكمة واضحة بأنه لا مسؤول بمنأى عن المحاسبة، وأن المعذبين لا حصانة لهم.

لقد اعطى هذا القرار دفعة كبيرة للعمل الحقوقي البحراني الذي سيشهد نشاطا مؤثرا خلال الفترة القادمة، فما تحقق اليوم لربما هو أول نصر يحرزه الشعب البحراني على عائلة آل خليفة الحاكمة طيلة عقود مع الصراع مع هذه العائلة الطاغية التي عاملت شعب البحرين معاملة الغزاة البرابرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى