ساهر عريبيمقالات

ثلاثة حلول للأزمة الراهنة في العراق

ساهر عريبي - إعلامي - لندن
ساهر عريبي – إعلامي – لندن

 

البحرين اليوم – (خاص)

 

دخلت الأزمة السياسية في العراق منعطفا حرجا مساء الإثنين (11 أبريل 2016) بعد أن أعلنت كتلة الأحرار التي يتزعمها السيد مقتدى الصدر عن تقديم وزرائها استقالاتهم من الحكومة، احتجاجا على ما وصفته “العودة إلى مبدأ المحاصصة السياسية” لتشكيل الحكومة الجديدة المتوقع مناقشتها يوم الثلاثاء، 12 أبريل، خلال جلسة البرلمان.

وتأتي هذه الإستقالة مع تبني عدد من القوى العراقية للمبادرة التي طرحها السيد عمار الحكيم، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى لحل الأزمة، والتي لم تحظ بتأييد كتلة التحالف الكردستاني وإئتلاف العراقية بزعامة رئيس الوزراء الأسبق الدكتور إياد علاوي، ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي، فضلا عن كتلة الأحرار.

وفي ظل هذه التطورات تتضاءل فرص تشكيل حكومة عراقية جديدة بعيدا عن المحاصصة السياسية، كما يريد الشارع العراقي، وكما أعلن التيار الصدري الذي أجبر رئيس الوزراء حيدر العبادي على تقديم حكومة تكنوقراط تكون بديلا للحكومة الحالية. وبعد هذه التطورات، دخلت الأزمة في نفق التعقيد، ولا تبدو في الأفق من حلول لها سوى ثلاثة.
وقبل الدخول في تفاصيل تلك الحلول، لابد من الإشارة إلى العوامل الأساسية المؤثرة في التوصل لأي حل سياسي، ويمكن تلخيص هذه العوامل بثلاثة أمور. وأولها هي مطالبة الشعب بإصلاحات حقيقية عبر اجتثاث الفساد والبدء بمسيرة إعمار حقيقية، وتحقيق الأمن والإستقرار والرفاهية في البلد.
وأما العامل الثاني فهو تمسك الكتل السياسية بمبدأ المحاصصة، ورفضها التخلي عن امتيازاتها السياسية.
والعامل الثالث؛ هو عرقلة حزب الدعوة للإصلاحات لأنها تقلص من هيمنته على مفاصل السلطة في البلاد، بعد أن نجح طوال العقد الماضي في بناء دولة داخل الدولة، وخاصة خلال السنوات الثمان التي حكم فيها أمينه العام.
وهنا تبرز ثلاث أطروحات لحل الأزمة، وأولها الحل الذي  قدّمه السيد عمار الحكيم في مبادرته التي وقعت عليها عدد من القوى السياسية الاثنين.
لكن هذا المبادرة التي تم تعديلها من قبل الموقعين؛ لم تتضمن أي اشارة إلى محاكمة الفاسدين الذي عبثوا بمقدرات العراق طوال السنوات الماضية، علما بأن المطالبة في ذلك تأتي في سلم أولويات المطالب الشعبية.
ومن ناحية أخرى، فإن المبادرة ترجع تشكيل الحكومة إلى المربع الأول، وهو مربع الكتل السياسية، وهو ما يعني العودة إلى مبدأ المحاصصة السياسية، وهو الأمر الذي يرفضه الشارع العراقي، بالرغم من أن المحاصصة شر لا بد منه في المرحلة الراهنة، وفي ظل غياب الأحزاب الوطنية العابرة للطوائف والقوميات، ومع أجواء عدم الثقة السائدة بين المكونات المختلفة.
لكن هذه المبادرة تشكل أرضية صلبة لطرح مبادرة أوسع، تضع سقفا زمنيا لتحقيق إصلاحات حقيقية في البلاد خلال عامين على الأقل.
فالفساد الذي ينخر في هيكل الدولة العراقية لا يمكن معالجته خلال شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين، بل بحاجة إلى سنوات طويلة. ولكن المهم هو وضع قطار العملية السياسية على المسار الصحيح.
ولذلك، فليس من المرجّح أن يُكتب لهذه المبادرة النجاح، مع أنها أنضج مبادرة تم طرحها حتى الآن لإصلاح الأوضاع في البلاد. ولذا، فإن فشلها المتوقع سيدخل البلاد في مأزق كبير لابد من تلافيه عبر الإنتقال إلى المشروع الثاني. وهو تشكيل حكومة تكنوقراط حقيقية. وهنا تبرز إشكالية كبيرة في تشكيل مثل هذه الحكومة.
فلو أوكل تشكيلها إلى فصيل سياسي معين أو إلى رئيس الوزراء أو إلى الكتل السياسية؛ فسيكتب عليها الفشل. إذ ليس من حق كتلة سياسية واحدة تشكيل حكومة تكنوقراط، وكما فعلت كتلة الأحرار عندما قدمت أسماء مرشحيها إلى رئيس الوزراء. وكذلك ليس من حق رئيس الوزراء أن يشكل حكومة تكنوقراط؛ فهو متحزب خاضع لإملاءات حزبه من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن عليه أن يحرز ثقة البرلمان لتمرير حكومته، وهو أمر أعلنت الكتل معارضتها له.
وفي حال شكلت الكتل السياسية حكومة تكنوقراط كما اتفقت عدد منها، فهذا يعني العودة إلى المحاصصة السياسية المرفوضة شعبيا.
ولذا، فلا يبدو من حل لحكومة التكنوقراط إلا عبر تشكيلها من قبل جهة محايدة تحظى بتقدير واحترام جميع القوى السياسية. ولا تبدو هناك من قوة في العراق تحظى بمثل تلك الثقة والإحترام؛ سوى المرجعية الدينية، ممثلة بسماحة السيد المرجع السيستاني.
لكن التجربة المريرة للمرجع مع التحالف الوطني طوال السنوات الماضية، والتي خيّبت آماله، وكذلك تجربة حكم الدكتور العبادي الذي دعمته المرجعية؛ زادت الطين بلّة ودعت المرجعية إلى الإنكفاء وعدم التدخل بالشأن السياسي.
ولذا، تبدو فرص تدخل المرجعية ضئيلة لحل هذه الأزمة، ولكنها تبدو محتملة من أجل إنقاذ البلاد وقبل أن تسوء الأمور. ولذلك، فعلى الكتل السياسية والشارع العراقي أن يطالب المرجع السيستاني بالتدخل لتشكيل حكومة تكنوقراط حقيقة تحفظ لجميع المكونات حقوقها.
وفي حال لم يحصل ذلك، فلا يبدو هناك من مشروع سوى مشروع “شلع قلع”، وتبدو في الأفق بوادر هذا المشروع واضحة، وخاصة بعد إعلان التيار الصدري عزمه سحب الثقة عن العبادي، وليس من المستبعد عودة أنصاره إلى الإعتصام أمام بوابات المنطقة الخضراء، وربما اقتحامها. ولن ينجح أحد في إيقافهم هذه المرة، وخاصة بعد أن خذلهم العبادي كما خذل المرجعية من قبل.
ولذلك، فإن مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الكتل السياسية، وخاصة كتلة التحالف الوطني المطالبة بنزع فتيل الأزمة وتجنيب العراق الإنزلاق في منحدر خطير في ظل الظروف الأمنية والإقتصادية الصعبة التي يعيشها، وفي ظل تربص تنظيم داعش الإرهابي وحماته الإقليميين بالعراق.
وهذا الواقع يتطلب من الكتل السياسية أن تتنازل عن استحقاقاتها الإنتخابية، وتصوت لصالح حكومة تكنوقراط يكون للمرجع السيستاني دور في تعيينها، وفي ذلك خطوة في طريق حل أزمة تعصف بالعراق وتضافرت عوامل داخلية وخارجية في تفاقمها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى