ما وراء الخبر

متابعات: “حارسُ أفاعي الملك” تحت الأقدام

 

CgfddMEUYAEVIdD

البحرين اليوم – (خاص)

 

متابعات

ما وراء الخبر

 

“المشير تحت الأقدام”.

خليفة أحمد الخليفة، يحمل رتبة عسكرية بدرجة “المشير”.

هذه الدرّجة، في أغلب الجيوش في العالم، هي الأعلى رتبةً. وجرى العُرف، قديماً، على منْح هذه الرتبة في حال تحقيق انتصار عسكريّ في الحروب.

إضافة إلى خليفة، الذي يعمل في وظيفة “القائد العام لقوة دفاع البحرين”، فإن الحاكم الخليفيّ، حمد عيىسى الخليفة، يحمل الرتبة العسكرية ذاتها، وذلك للوظيفة الأخرى الذي يعمل فيها، وهي: “القائد الأعلى لقوة دفاع البحرين”.

في البحرين، هاذان الاثنان فقط منْ يحمل هذه الرّتبة العسكرية التي تُستعمل في عدد معيّن من الدول العربيّة، رغم جذرها الألماني (Marh-scalc)  الذي يعني “حارس خيول الملك”.

قبل أسبوع من ثورة 14 فبراير 2011، منحَ حمد “حارسه” خليفة أحمد؛ رتبة “المشير”. ليس معلوماً بالضّبط أيّ إنجازٍ عسكريّ، أو خدمة إستراتيجيّة قدّمها الأخير للجيش الذي يقوده، إلا أنّ الأوساط التي تدرس مسار الأحداث اللاحقة في البحرين؛ تقول بأنّ حمد تعمَّد هذه الخطوة مبكّراً لكي يُحضّر “حارسه” للمهمّة “الأقذر” في تاريخ “الجيوش”؛ أي إعلان الحرب على المواطنين، السّكان الأصليين للبلاد.

قرأ حمد مبكّرا، وهو يُتابع تحضيرات المواطنين لإطلاق ما عُرِفت حينها بـ”ثورة الغضب”؛ بأنّ ثورةً حقيقية قادمة في الطريق. تداخلت عليه الاقتراحاتُ والنّصائح من أكثر من جهة، ولكنّ حمد كان يصرُّ على الخيار العسكريّ في مجابهة هذا الغضب. لأسبابٍ كثيرة، أجّلَ هذا الخيار، أو أخفاه قليلاً، ولكنّه ظلّ يَظْهَرُ عليه في كلِّ مرّة، وفي الأيام الأولى للثورة أيضاً. ظهر حمد بلباسه العسكريّ في اليوم الثالث لاعتصام دوّار اللؤلؤة، وبانَت على بذلته الدّماء التي كانت ستُسفك في ميدان اللؤلؤة بعد ساعاتٍ من ظهوره في التلفاز.

كان ثمّة تنافس في حجم القُدْرة على ارتكاب البشاعةِ والجريمة بحقّ البحرانيين. المنافسة كانت بين “مشيريْن”، تولّيا إظهار خبراتهما في إطلاقِ التهديدات، وفبركة المؤامرات، وإيقاع الضّحايا، وفي الذّهاب إلى ما أبعد المسافات لفِعْلِ الجريمة المطبوعة بالوقاحة.

المؤكّد أنّ المنافسة بينهما كانت شديدةً، ومن الصّعب أن يحسم المرءُ أيّهما كان الأجدر برتبة “المشير”.

سيرة خليفة أحمد الخليفة، وكما هي سيرة راشد الخليفة، وكما هي أيضاً سيرة حمد عيسى الخليفة، وسيرة “كبير الأفاعي”؛ سلمان خليفة الخليفة.. تؤكّد أنّ خلاياهم لا يمكن أن تنمو من غير فتْقِ الجروح، وإثخان أجساد الأبرياء بها. يتلاقى “المشيرُ” خليفة، بـ”رئيس الحكومة” خليفة؛ في هذه العلامة. في محيّاهما ما يشيرُ إلى جرائم وقعت، وأخرى ستقع.

بالنسبة لأهل البحرين، كلّهم طغاةٌ، ولا فرقَ بينهم لا في الدرجات، ولا في الصّفات. بالقوّة أو بالفعلِ؛ النتيجةُ واحدة.

هذه العقيدة تجعل المواطنين مبادرين للتعبير عن ردّة الفعل الطبيعية: أن تُوْضَعَ صورهم وتُداس تحت الأقدام، وأن تُرفْع صورهم ناحية الجدران وتُرْمى بالنيران. فعلَ الناسُ ذلك “المشير الملك”، ومع “المشير الركن”، ولم يكونوا بحاجةٍ لانتظارِ المزيد من حصْدِ الأرواح، وتنوُّع قائمة الجرائم، لكي يقرّروا المضيّ نحو هذا الفعلِ الرَّد.

بخلافِ ذلك، يرى السّياسيّون أن “الإستراتيجيّة أوْلى أنْ تُتّبعَ.. وتُصان”، ولو نفذت كلّ التكتيات و”بلغت التراقي”. “الإستراتيجيّة” هنا؛ هي “عقيدةُ” السياسيين التي لا يمكن “التعديل عليها ولا الإضافة”. لا يجيب هؤلاء على سؤالِ سائلٍ يقول بأن “سياسة الأمر الواقع”؛ تعني أن تتغيّر الإستراتيجيّات وفق تغيّر الأحوال، وليس التكتيكات فحسب. وهم لا يجيبون على مشاكسٍ يجادِلُ بأنّ منْ أهدرَ وجودَك، وفظَّعَ في أهلِك، وأهانَ دينَك وعقيدتك؛ كيف يمكن أن يأتي عليه يومٌ – ما، قريبٌ أو بعيد – يتحوُّل فيه إلى “إنسانٍ عاقل”، أو حتّى “حمْل وديع”، يمكن التعامل معه وفق “الإستراتيجية الأبديّة” التي يؤمن بها سياسيّو البحرين!؟

ولكن المرء لا يجد بُدَّا من امتداح سياسيي البحرين والتطيُّب بهم، أو ببعضهم على الأقل. إنهم “طيّبون أخيارٌ” في زمن الضّباع! يرون أنّ السياسة هي هذه: أن تُديْر وجودَك، قدْر الإمكان، داخل غابةٍ من الوحوش. لن يضرّك أن تأخذ الوحوش كلّ شيء منك، ولكن يكفي أن تجد لك مكاناً فوق شجرة، أو تحت ظلِّ غُصْن شجرة، لتدعو هذه الوحوش بألا تفعل المزيد من الابتلاع، والاقتلاع. وهذه هي الإستراتيجيّة!

الناسُ، أو بعضهم على الأقل، يرون شيئاً آخر. المعادلة هنا ليست مثل حكاية “المخرز والعَيْن”، وهي ليست على شكْل ما يظنّ أصحاب كلُّ نظريّات الواقعيّة ومقولاتها: “خذْ وطالبْ”، و”انحنِ للعاصفة.. لكي لا تكسر ظهرك”.

الناسُ، أو بعضهم على الأقل، يرون أنّ ابتكار وسائل الاحتجاج، والمقاومة المدنيّة، يمكن أن تفعل إيقاعاً آخر على الأرض. ليس الأمر انتحاراً، ولا استسلاماً للأقدار السّوداء.

البحرانيون قدّموا العديد من الأمثلة التي تفتح الذهن على ضرورة أن يفكّر الآخرون بالخيارات المفتوحة للشعوب، وليس التفكُّر في مخاوف وهواجس “تهديدات الأنظمة”.

لم يكن المواطنون “سُكارى” في مقاوماتهم المدنيّة. كانت أفكارهم في هذه المقاومات لامعةً، وفيها العديد مما يمكن أن يؤسِّس لترجيح الموازين، لولا المماحكات التي تتساقط من هذا المنبر أو ذاك.

على رأس المقاومة؛ إنزالُ الإهانةِ والسخرية على رؤوسِ الطغاة. وكان ذلك من ألمع الوسائل التي قام بها البحرانيون.

حرص المواطنون، طيلة أيّام الثورة، على تمريغ أنف “المشيرَيْن” في الوحْل، وتحت الأقدام، وبأكثر من طريقة وصورة.

المختصون في “المقاومة الخفيّة” يؤكدون أن تفريغ المستبدين من هيبتهم المصطنعة؛ تُفضي دوماً، وفي نهاية المطاف، إلى إنهاك القوة “الرمزيّة” التي يحتفّون بها. بما في ذلك قوتهم في القمع وفي تحريك أدواته.

تابَع البحرانيون في هذا التفريغ الممنهج، وارتأوا تصعيدها في كلّ مرة ينشر فيها “الملك” وأفاعيه سمومهم على الناس وقادتهم.

“حارس أفاعي الملك”، خالد خليفة الخليفة، هو اليوم محطّ هذه الوسيلة الفضلى في نزْع الهيبة التي يتغطّى بها تحت رتبة “المشير”.

صوره تحت الأقدام، بما هو سلوكٌ احتجاحيّ مُكرَّر؛ يحمل رسالتين: الأولى أنّ رتبتك العسكرية لا تليق بك، والثانية أنّ تهديداتُك بالقتْل تناسِبُك تماماً.

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى