آية الله النمرساهر عريبيمقالات

البحرين تدفع ثمن تحرير الفلوجة!

ساهر عريبي - إعلامي - لندن
ساهر عريبي – إعلامي – لندن

لم تكد تمضي سوى بضعة أيام على انطلاق عمليات تحرير مدينة الفلوجة العراقية من قبضة تنظيم داعش الإرهابي، إلا وبدأت سلطات عائلة آل خليفة الحاكمة في البحرين باتخاذ سلسلة من الإجراءات القمعية الغير مسبوقة بحق أبناء الشيعة الذين يمثلون أغلبية مواطني البلاد.

 

فبعد مرور  سبعة أيّام على إعلان رئيس الوزراء العراقي انطلاق عمليات تحرير المدينة التي وقعت في قبضة تنظيم داعش الإرهابي قبل أكثر من عامين، أعلنت  سلطات البحرين تغليظ حكم السجن الصادر بحق الشيخ علي سلمان، أمين عام جمعية الوفاق الوطني الإسلامية ليصل الى تسع سنوات سجن على خلفية تهم تتعلّق بحقه في حرية التعبير عن رأيه.

 

تجدر الإشارة هنا الى أن جمعية الوفاق انتهجت الطريق السلمي لإحداث تغيير سياسي في البلاد ومند اندلاع ثورة الرابع عشر من فبراير عام 2011. فالجمعية وأمينها العام كانت ومازالت تعول على إصلاح النظام الحاكم في البحرين بالطرق السلمية ودون اللجوء الى العنف، كسبيل لإنهاء عقود من سياسات التمييز والتهميش الممارسة ضد البحرانيين.

 

لكن الشيخ علي سلمان وبرغم نهجه الإصلاحي  وجد نفسه يجلس في السجن جنبا الى جنب مع دعاة إسقاط النظام الذين القى النظام القبض عليهم في مارس من العام 2011، من امثال الأستاذ حسن مشيمع والأستاذ عبدالوهاب حسين وآخرين. إجراء يقدم دليلا قاطعا على ان النظام ليس بوارد إصلاح نفسه بل أثبت انه عصيّ على الإصلاح وكما شخّص الإسقاطيون ذلك منذ سنوات خلت.

 

أعقب ذلك موجة من القمع طالت حقوقيين بحرانيين، إذ جرى ابعاد الناشطة زينب الخواجة  الى خارج البلاد، وإعادة اعتقال الحقوقي البارز نبيل رجب، رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان على خلفية تغريدات له اطلقها العام الماضي ودان فيها تعذيب المعتقلين في سجن جو سيء الصيت،  وكذلك استنكر اشتراك بلاده في العدوان على اليمن. السلطات منعت ولأول مرة الوفد الحقوقي الأهلي من السفر الى مدينة جنيف للمشاركة في اعمال الدورة ال 32 لمجلس حقوق الإنسان وكما جرت عليه العادة منذ سنوات.
تبع ذلك إصدار المحكمة الإدارية قرارا مستعجلا بتعليق نشاطات جمعيات الوفاق واغلاق مقارها تمهيدا لحلها، علما بان جمعية الوفاق فازت بأصوات ثلثي الناخبين البحرانيين خلال الإنتخابات النيابية التي جرت في العام 2010.

 

السلطات توّجت إجراءاتها القمعية بإصدار قرار بتجريد آية الله الشيخ عيسى احمد قاسم  من جنسيته البحرانية تمهيدا لترحيله من البلاد. الشيخ قاسم انتخب عضوا في اول جمعية تأسيسية في البلاد بعد استقلالها في العام 1971 وشارك في كتابة اول دستور لدولة البحرين بعد استقلالها. وصاحب هذه الإجراءات إصدار أحكام بالسجن وسحب الجنسية بحق العديد من البحرانيين بالإضافة الى تأييد احكام بإعدام آخرين.

 

ويبدو من الخط البياني لهذه الإجراءات القمعية انها أخذت بالتصاعد مع اقتراب القوات العسكرية العراقية من تحرير مدينة الفلوجة بالكامل، ووصلت ذروتها مع إعلان تحريرها، حيث تجرّات السلطات على التجاوز على مقام أرفع رجل دين في البحرين

 

ولذلك فلاتبدو قرارات السلطة الأخيرة ببعيدة عن مجريات الأحداث في العراق، خاصة مع الأخذ بنظر الإعتبار أن البحرين رهنت قرارها السياسي وسيادة البلاد بيد عائلة آل سعود التي لاتزال تحتل البحرين عسكريا ومنذ مارس من العام  2011. كما وان عائلة آل خليفة تعتمد اقتصاديا وبشكل كامل على السعودية، إذ تتولى السعودية بيع النفط من حقل بوسعفه النفطي المشترك بين البلدين وتضع إيراداته في حسابات العائلة الخليفية. والسعودية وبما تحتفظ به من علاقات استراتيجية مع الدول الكبرى تلعب دور المدافع عن النظام الحاكم في البحرين دوليا. ولذا فإن البصمات السعودية واضحة في سلسلة الإجراءات التصعيدية في البحرين.

 

فهي من ناحية تتبع نهجا قمعيا في الداخل يتمثل باعدام المعارضين وكما حصل مع آية الله الشيخ نمر النمر مطلع هذا العام، وكذلك مع عدد آخر من الناشطين بل وصل الأمر الى حد مهاجمة البيوت الآمنة وتصفية المعارضين وكما حصل في بلدة العوامية قبل أيام عندما قتلت القوات السعودية عبدالرحيم الفرج داخل منزله ووسط افراد عائلته, وهي تخشى إمتداد رياح التغيير الى المنطقة الشرقية الغنية بالنفط.

 

ومن ناحية أخرى فإن الإنتصارات العراقية وجهت ضربة قاصمة لمخططات السعودية لتدمير العراق وسوريا عبر تنظيم داعش الإرهابي، الذي يمثل الوليد الشرعي للزواج الكاثوليكي القائم بين عائلة آل سعود والمؤسسة الوهابية. فهذا التنظيم يعتبر اليد الضاربة للسعودية في المنطقة وهو أداتها لإضعاف دول المنطقة ونشر الفوضى فيه. وقد انفقت السعودية المليارات من الدولارات على هذا التنظيم الذي يتلقى دعما عسكريا وماديا منقطع النظير من لدنها، وهو امر لم يعد خاف على احد بل أصبح مادة دسمة في وسائل الإعلام الأوروبية وفي الأوساط السياسية في الغرب.

 

واما سلطات البحرين فتبدو شريكة لنظام آل سعود في تأسيس هذا الوحش المسمى “داعش”، فالمؤسسة الأمنية في البحرين تثقف منتسبيها على تكفير الشيعة وكما كشفت عن ذلك الكتب التي يتم تدريسها داخل هذه المؤسسة مثل كتاب نور السنة الذي يعتبر الشيعة مشركين. ولذا فلم يكن مستغربا ان يصبح تركي البنعلي  الرجل الثاني في تنظيم داعش وهو ضابط في وزارة داخلية البحرين. كما وان المناصرين لتنظيم داعش عقدوا اجتماعات وتظاهرات دعم للتنظيم وبشكل علني في البحرين وتحت مرأى ومسمع السلطات التي لم تحرك ساكنا، ولم توجه لهم تهمة دعم الإرهاب التي توجّهها لأبسط مواطن بحراني يطالب بحقوقه بشكل سلمي.

 

لكل ذلك فإن تحرير الفلوجة وجّه ضربة قاصمة لمخططات آل سعود في المنطقة،  وحشر هذا التنظيم في زاوية حرجة ولم يعد وجوده مقتصرا في العراق الا في مدينة الموصل التي ستحررها القوات العراقية في الأشهر القليلة المقبلة لتقضي على آخر آمال آل سعود في تدميرالعراق.  وستؤدي هذه الإنتصارات الى إضعاف التنظيم في سوريا وبما يسهل القصاء عليه هناك وطي صفحته السوداء.

 

وهكذا تبدو الصورة واضحة فالسعودية تمنى بهزائم متلاحقة في المنطقة، سواء في العراق او سوريا او اليمن، وهي بصدد إفراغ غضبها على البحرين التي يواجه فيها شعب أعزل حكومة مجهزة بمختلف انواع الاسلحة.  لجأت السعودية الى استخدام ورقة البحرين في محاولة لوقف هزائمها في المنطقة، لكنها نسيت بانها تجاوزت كافة الخطوط الحمراء، وأن البحرين ليست لقمة سائغة لها، وأن مخططاتها في البحرين ستُمنى بالفشل هي الأخرى وسترتد سياستها عليها وكما ارتدّت يوم أمس على حليفتها تركيا!

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى