سجن جوالمنامة

إخفاء من أجل التعذيب والانتقام: مختطفون في سجون آل خليفة يواجهون خطر “الموت البطيء”

C5hroxNXEAE4hHs

المنامةالبحرين اليوم

    عاودت السلطات الخليفية في الأشهر الأخيرة إلى استعمال سياسة الإخفاء القسري بحق عدد من السجناء والمختطفين، في سياق عمليات التعذيب والترهيب النفسي المنظم يطال البحرانيين منذ بدء ثورة ١٤ فبراير ٢٠١١م، وهو ما اعتبره نشطاء شكلا من أشكال الانتقام الممنهج ومحاولة لإخفاء آثار التعذيب من أجساد الضحايا.

    وفي حين أعلن مساعد وزير الخارجية الخليفي، عبد الله الدوسري، قبل نحو أسبوع عدم وجود اختفاء قسري في البحرين؛ فإن النشطاء قالوا إن هذا النفي ينطوي على إثباب العكس مستشهدين بقائمة من عشرات المختطفين الذين لازال أهاليهم يبلّغون عن انقطاع الاتصال عنهم، والخشية على سلامتهم داخل السجون. وأكد حقوقيون بأن التصريح الخليفي المذكور يجيء في سياق محاولةتبييض الوجه خلال الاستعراض الدوري لملف البحرين في مجلس حقوق الإنسان بجنيف الذي بدأ أعماله أمس الاثنين.

    ويقول ناشطون إن هذه السياسة تفاقمت على نطاق واسع منذ شهر يونيو من العام ٢٠١٦م، بعد القمعة الممتدة حتى اليوم. وتتحدث التقارير عن إخفاء مصير العشرات من المختطفين البحرانيين في السجون ومراكز الاحتجاز سيئة الصيت، وبعضهم تجاوز انقطاع الأخبار عنه أكثر من ١٥٠ يوماً، مثل المعتقل سيد فاضل سيد عباس، الذي اختُطف في تاريخ ٢٩ سبتمبر من العام ٢٠١٦م، وعبرت منظمة العفو الدولية في تقرير صدر في يناير الماضي (عبّرت) عن القلق من تعرضه لخطر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة.

    وأشار التقرير إلى أن ضباطا خليفيين تابعون للتحقيقات الجنائية، اختطفوا السيد فاضل (٢٤ عاما) من سكنه في مدينة الزهراء (دوار ١٩) فجراً، وأبلغ عائلته في الاتصال الذي وصلها منه بعد أسبوعين من اعتقاله بأنه متعب للغاية، وليس على ما يرام، وقالت العائلة بأن صوته لم يكن واضحاً وأبدى والداه لحظتها الشك في أن يكون ابنهم هو على الطرف الآخر من سماعة الاتصال. وقد باءت محاولة العائلة والمحامي لمعرفة مصيره أو الإطلاع على وضعه داخل السجن والتهم الموجهة ضده، ما دفع منظمة العفو إلى إطلاق نداء عاجل للمساهمة في تحرك تضامني مع السيد فاضل، لاسيما وأن العائلة أفادت بأن السلطات نفت في أول الأمر علمها بوجوده، وهي إشارة معهودة لدى الأهالي تنبيء عن تعرّض المختطف للتعذيب.

C5nIFN3WMAE6aKP

   شقيقة المختطف السيد فاضل، أوضحت بأن أربع اتصالات فقط وردت من شقيقها منذ اختطافة قبل أكثر من ٤ أشهر، وذكرت في ندوة تحت عنوان “الإخفاء القسري في البحرين” نظمتها جمعية حقوق الإنسان في ٧ فبراير ٢٠١٧م؛ بأن الاتصال الأخير “كان مخيفا”، وكشف عن “الألم الذي يُعانيه” وبقية السجناء المختطفين، في حين لم يحظ بأية زيارة منذ الاختطاف، ولم يُسمح له برؤية محام، رغم حصول العائلة على تصريحات بالزيارة، إلا أن التحقيقات الجنائية “لم تتجاوب معها”، كما قالت شقيقته بأن ما تُسمى بوحدة الشكاوى التابعة لوزارة الداخلية “رفعت يدها” عن قضية شقيقها بزعم أن القبض جاء من جانب ما تُسمى بنيابة “الإرهاب”. في حين لم تتجاوب – حتى الساعة – ما تُسمى المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان (الرسمية) مع شكاوى العائلة بهذا الخصوص.  

المختطف السيد علوي: شبح الموت 

   أما المختطف السيد علوي السيد حسين من بلدة الدراز، فهو من ضحايا الإخفاء القسري الذين تجاوز انقطاع الأخبار عنهم أكثر من ١٢٧ يوما بعد اختطافه بأسلوب بوليسي في ٢٤ أكتوبر من العام الماضي من داخل غرفة الاجتماعات في مقر عمله، في ظل الأنباء التي يتم يتداولها بين فترة وأخرى بشأن تعريضه لتعذيب قاس لانتزاع اعترافات ملفقة منه ضد آية الله الشيخ عيسى قاسم. وتداول ناشطون الأنباء التي تفيد بأن السيد علوي يتعرضلتعذيب شديد أثّر على حالته النفسية والجسدية تأثيرا خطيرا.

alawi٢

   وقالت شقيقة المختطف السيد علوي في ندوة جمعية البحرين لحقوق الإنسان بأن العائلة اضطرت لطرق “كل الأبواب” لمعرفة مصيره، إلا أنها نفت تجاوب أي جهة رسمية، وتساءلت عن “التهمة” التي تفرض إيقاع المعاناة عليه وعلى عائلته. وقالت بأن الاتصالين اللذين وصلا منه زاد العائلة من قلقها على مصيره، لما اعترى صوته من إجهاد مريب. وأوضحت حرمانه من الزيارة العائلية ومن توكيل محام له، وذكرت أيضا عدم علمها فيما إذا كان قد عُرض السيد علوي على النيابة. وأكدت شقيقة المختطف بأن كل الشكاوى المرفوعة إلى الجهات الرسمية لم تفلح في كشف مصيره. وجددت المطالبة بفك الإخفاء عنه والإفراج الفوري عنه، وحمّلت السلطات مسؤولية سلامته.

الشيخ حسن عيسي: عامان من الإخفاء القسري في الإنفرادي

    الشيخ حسن عيسى، القيادي في جمعية الوفاق (المغلقة)، يواجه إخفاء مزدوجاً داخل السجن الإنفرادي منذ اعتقاله في أغسطس العام ٢٠١٥م، وقد عُقدت له جلسة جديدة من المحاكمة اليوم الثلاثاء، ٢٨ فبراير، حيث تُلفّق ضده اتهامات بدعم الإرهاب وتمويله، انتقاما من نشاطه السياسي ودعمه لأسر المعتقلين.   

   وتتحدث تقارير عن إيداع الشيخ حسن في مركز شرطة مدينة عيسى، بعيدا عن بقية المتهمين في القضية نفسها، وعددهم ١٢ مواطنا، وقد خضع لجلسات متكررة من المحاكمة منذ يناير ٢٠١٦م، كما جُدّد توقيفه عدة مرات، في الوقت الذي نفى التهم الموجهة ضده. علما أن القاضي الخليفي علي الظهراني – المعروف بغلاظة الأحكام التي يُصدرها – هو منْ يتولى هذه القضية. وقد حُرم الشيخ حسن من الالتقاء بمحاميه، كما مُنع من حضور بعض جلسات المحاكمة.

C5hvdb4WMAEDV5L

     لا يقتصر الإخفاء الذي يمارسه الخليفيون على حرمان المختطفين من الحرية والسلامة الشخصية، بحسب التعبير التقني لمعنى “الإخفاء القسري” في المواثيق الدولية، ولكن آل خليفة يضيفون إلى ذلك سلسلة من إيقاع من المعاناة النفسية والجسدية التي تطال المختطف المجهول المصير، وعائلته على حدٍّ سواء. وهو ما يجعل الإخفاء “جريمة ضد الإنسانية” بكل معنى الكلمة، كما يُفصح بأن ممارسة هذه السياسة تمثل أداة فعّالة بيد النظام للانتقام من المواطنين والنشطاء وانتزاع الاعترافات الملفقة، وممارسة الضغوط والابتزاز السياسي. وقد استغل النظام الخليفي عدم توقيعه خلال الفترة الحالية على الاتفاقية الدولية الخاصة بالإخفاء؛ لتفعيل كل “بنود” هذه السياسة الانتقامية، والانتقاص من الحقوق الأساسية للمختطف، بدءاً من عدم الإفصاح عن وضعه القانوني، وعدم حمايته من التعذيب والانتهاكات، والامتناع عن إطلاع أهله ومحاميه على مجريات التحقيق معه.

مختطفون تحت التعذيب

C48pf1PWcAE8_OR

   كان أوضح الأمثلة على ذلك تلك الحالات التي طالت المختطفين خلال الأشهر الثلاثة الماضية، ومنهم مختطفو بني جمرة، الذين تم اختطاف عدد منهم منذ ٣ فبراير ٢٠١٧م، وبعضهم في شهر يناير من العام نفسه، وأُخفي مصيرهم حتى اليوم في ظل الخشية من تعريضهم للتعذيب القاسي، ومنهم: أمير محمد جميل الجمري، كاظم جعفر كاظم، لؤي بوحمد، وعلي محمد جعفر. في حين يمضي تحت الإخفاء قرابة العشرين يوما كلّ من أحمد محمد العرب، وعلي محمد حكيم العرب، وهما مهددان مسبقا بالتصفية الجسدية، وتؤكد التقارير تعذيبهم بكل الأساليب المعهودة في سجون النظام. وهناك ٥ معتقلين من بلدة كرباباد مختطون قسريا منذ أكثر من ١٨ يوما، مع معلومات متواترة تفيد بتعريضهم للتعذيب على أيدي الجلادين. كما أن مختطفي غزوة المسلحين الملثمين على اعتصام الدراز، قبل ٣٠ يوما، لازالوا قيد الإخفاء القسري، وقد وردت شهادات تفيد بتعريضهم لسوء المعاملة والتعذيب، كما أن عدم إقرار القوات الخليفية بتنفيذ الهجوم المسلح رفعَ من مخاوف الأهالي والنشطاء على حياة المختطفين وسلامتهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى