عباس بوصفوانمقالات

السنة في البحرين.. الخيارات الصعبة

عباس بوصفوان إعلامي - لندن
عباس بوصفوان
إعلامي – لندن

يشتكي السّنة في العراق من التهميش، بعد أن كانوا إبان نظام صدام حسين يحظون بالأولوية. كان حزب البعث حاكما، وحاضنته السنية تزداد عمقا، خصوصا بعد الانتفاضة الشعبانية (مارس 1991)، التي شكلت تهديدا جديا لنظام صدام حسين، وقمعها جيشه، الموصلي والتكريتي من حيث القادة، على حد يفوق التصور، وينسجم مع نهج صدام الدموي الباطش بكل آخر.

كان هناك معارضون سنة لصدام حسين، لكنهم كما المعارضين السنة في البحرين، أقلية لا تحظى بالاحتضان والدعم، ولعلها باتت معزولة بعد 14 فبراير 2011 (النقطة الفاصلة على طريقة الانتفاضة الشعبانية في العراق)، ولذا فإن المقارنة بين الموالين السنة لصدام والموالين السنة للعائلة الخليفية الحاكم في البحرين واردة في عدة نواح، كما تصح المقارنة بين البحرين والعراق لجهة التركيبة السكانية، والوضع الإقليمي، وتركيبة المؤسسة الأمنية والجيش والعقيدة العسكرية، وتأثير العراق وإيران، والعلاقة مع الغرب، وكذا في نهج أحزاب المعارضة ابان حكم حزب البعث، وكيفة تعاطي جبهات المعارضة في البحرين حاليا.

لا يشجع الأداء السني الموالي في البحرين على القول بأنهم يدفعون البلاد الصغيرة لتأسيس عادل، يساوي بين المواطنين، ويشرك الجميع في القرار، بعد أن بات كثير منهم (السنة) جزء من آلة النظام الأمنية الماضية في ترسيخ العداء مع الأغلبية الشيعية، وزيادة حجم المظالم على نحو يؤسس لأحقاد بين أبناء الشعب الواحد.

لا شك أن آل خليفة يتحملون الجزء الرئيسي من التدهور الحاصل في الجزيرة، وذلك ليس محل نقاش، بيد أن أطراف المعادلة الأخرى: الشيعة والسنة، لا شك يتحملون جزءا من مآلات الراهن. وفيما يخص السنة، (موضوع النقاش هنا)، فإن الغطاء السياسي الذي يوفرونه لليد الغليظة السائدة، وللتمييز الفاقد للبعد الأخلاقي، وللتجنيس الذي يطعن في البلد وأهلها ماضيا وحاضرا ومستقبلا.. هذا الغطاء لكل تلك الموبقات، لا شك وأنه يلقي بظلاله على مسارات الصراع، وآفاقه.

يعتقد السنة أن مطلوبا منهم الاختيار بين ما يعتقدون أنها دكتاتورية شيعية، سيؤسسها النهج الديمقراطي إذا ما تحقق، وبين دكتاتورية عائلة آل خليفة الحاكمة القائمة على الاستفراد بثروة البلاد واقتصادها، وقرارها السياسي، والتفريط بهويتها واستقلالها. وتقديري بإن المطرقة والسندان المفترضتين آنفا تحتاج إلى إعادة نظر، والعمل على إعادة الاعتبار إلى فرضية النظام السياسي القائم على التوافق والديمقراطية، كما رسم بعض أسسه يوما دستور 1973، والذي يصح، فيما أظن، أن يكون دوما منطلقا لبحرين لجميع أبنائها خصوصا لجهة انتخاب مجلس تأسيسي يكتب دستورا معبرا عن آمال المواطنين جميعهم.

التحدي أن تبني أسسا لحياة مشتركة وآمنة للجميع، وليس التحدي في أن تتحالف مع نظام غير عادل لتحقيق مآرب، مهما قيل أنها مهمة، فإنه يصعب أن توصف بأنها تؤسس لقاعدة أخلاقية لحكم البلاد. وقد يكون الخيار الراهن للسنة، هو الخيار المصلحي في اللحظة، بيد أنه الخيار الذي قد يعصف بالبلاد، وبكل المكونات، بما في ذلك السنة.

حين مضى العلويون في الاستفراد بالقرار السياسي في سوريا، فقد جر ذلك ما لم يكن متوقعا، وصحيح أن الإرهاب الراهن مدان، على نحو يحيل نظام الأسد خيارا بديلا للسفك على الهوية كما تفعل داعش وأخواتها، لكن يمكن تصور الحال لو أن نظامي الأسد الأب والابن مضيا نحو الانفتاح على مختلف مكونات الساحة السورية.

وهكذا الوضع في اليمن، فقد كان الزيدون محلا للإزدراء والتهميش منذ مطلع الستينات، وترافق ذلك مع زياد النفوذ السعودي والوهابي في صنعاء.. الأمر الذي انتج دولة فاشلة، وحوثيين في قلب صنعاء.

يمكن فهم القراءة التي اقترحها على أنها تهديد للسنة في البحرين، بيد أنها في الحقيقة نصيحة صادقة، بأن تدرك الطائفة السنية بأنها تساهم في تحويل البحرين إلى ساحة لعدم الاستقرار، ستطال شررها الجميع، بما في ذلك السّنة الذين يظهر كثير منهم، حاليا، سعادتهم بالنار التي تحرق شركاءهم في الوطن.

صحيح أن شيعة البحرين أخفقوا في استقطاب السنة لبرنامج سياسي إصلاحي، (كأن الإصلاح مهمة شيعية فقط!)، وهو الفشل الذي يزداد رسوخا، لأسباب كثير منها يتصل بالأداء الشيعي الداخلي وبالطمع السني، وبالتأثيرات الإقليمية الضاغطة، وبنهج خليفي يتقن سياسة “فرق تسد”… بيد أن النداء هنا إلى عقلاء السنة بأن المضي في دعم المظالم ضد الشيعة، يهيء البحرين لتكون دولة فاشلة على شاكلة العراق أو اليمن أو ليبيا، بعكس الاعتقاد الذي تروجه الآلة الإعلامية السعودية/ الخليفية بأن ما جرى في البلدان السابقة من خراب هو السعي للديمقراطية، فما جرّ إلى الاحتراب الذي نراه في تلك البلدان، هي سياسات أنظمة فاسدة قادها طغاة، أمثال صدام حسين وعلي عبدالله صالح ومعمر القذافي، وأسست إلى الوضع المآساوي الراهنة.

ولمن يعتقد أن البحرين بمنأى عن مسارات العنف، وأن الوارد أعلاه ليس أكثر من نبوءة صحافي يحب رسم سيناريوهات متشائمة، عليه أن يرى دول المنطقة كيف كانت قبل عقود، وكيف آلت أوضاعها.

لم تفت اللحظة على السنة كي يقولوا لآل خليفة: علينا أن تبحث عن نظام عادل في البحرين، والتردد في فعل ذلك أو تأخير القيام به، سيكون وبالا على الجميع.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى