ما وراء الخبر

بعد خروج المعارض الكويتي مسلم البراك من السجن: عواطف وآمال في البحرين والخليج

 

البحرين اليوم – (متابعات)

بعد قضائه عامين في السجن، خرج المعارض الكويتي البارز مسلم البراك من سجنه يوم الجمعة، ٢١ أبريل، وسط استقبال حافل من مؤيديه.

البراك – الذي بات رمزاً لا يُجارى للمعارضة الكويتية – أصرّ بعد خروجه من السجن على تأكيد التزامه بمواقفه السابقة، واستمراره “في النضال”، وهو موقف أضفى موجة كبيرة من العواطف الجيّاشة في صفوف القوى المعارضة الكويتية، ولاسيما بعد اختلاط الأوراق – مجددا – في المشهد السياسي داخل الكويت، في ظل ما يُقال عن تعاظم الجناح السعودي في الكويت، والذي يعبّر عنه أكثرُ من مئتين ألف سعودي يحمل الجنسية الكويتية، وأغلبهم يؤدون دوراً “تأزيمياً” على صعيد استجلاب الموقف السعودي الرسمي داخل الكويت ومنها إلى الخارج، وقد أشار البراك نفسه إلى ملامح ذلك حينما تحدث عن “اختلال” التركيبة السكانية في الكويت، وعن وجود “جماعات” استعملتها السلطة لتعميق الانقسام الاجتماعي ونشر العنصرية والطائفية.

بعد أيام، وخلال حفل خاص أقامته حركة (حشد) مساء أمس الاثنين، أعاد البراك الحديث عن “الهاوية” والانحدار” الذي تتجه إليه الكويت، منبهاً إلى الخطر الذي يحيق بالبلاد. وذهب إلى حد اعتبار أن الوضع السلبي في الكويت جعلها تكون في عداد “الدول الفاشلة”. وشخّص البراك معالم الأزمة القائمة بالتأكيد على عدم وجود “حكومة مؤتمنة”، الأمر الذي أفقد المواطنين الأمن الاجتماعي والسياسي. وقال إن القرار فيها “فردي”، وأن “ثرواتها مستباحة لشرذمة من الفاسدين والمفسدين”، وذلك مع تفشي “النفاق السياسي”، وتحوُّل “القضاء إلى مطية للسلطة وأصحاب النفوذ” واستعماله ضد الخصوم، وعبر مسلسل الاعتقالات السياسية للمعارضين وسحب الجنسيات.

حرص البراك على الاستنادات إلى التقارير الدولية لإثبات تشخيصه لواقع الكويت، واعتقاده بأنها تعيش اليوم “أسوأ حالها في تاريخها الحديث والمعاصر”. ولكنه كان حريصاً أيضا في الحديث عن الحل وكيفية “وقف الانحدار” وإعادة الهيبة للقانون، واستقلال الدولة وحيادها. وقد قدّم البراك رؤيته للحل، كما كتبها داخل معتقله، وأكد في هذا السياق إلى ضرورة الاعتراف بضعف المجتمع المدني، وخشية المواطن العادي على أمنه الشخصي “بسحب الجنسية والنفي خارج البلاد وقطع الأرزاق وتشويه السمعة”. وأوضح بأن ذلك يحدّ من قدرة الفرد على التغيير، وخاصة مع وطأة الانقسام الاجتماعي المستشري، ما يجعل “أوراق الحل في أغلبها بيد السلطة”، ولكن ذلك لن يدوم، بحسب البراك.

 

أخطاء المعارضة: دعوة للعمل الجماعي.. والشارع

 

ودعا البراك إلى الاستعداد لتقديم التضحيات من أجل إعادة الكويت إلى سيرتها السابقة، مستذكرا تضحيات الماضين من الشهداء والمعتقلين السياسيين في الكويت. وقال بأن هذه التضحيات هي “ثمن الحرية والكرامة”. وخلُص البراك إلى “العمل الفردي” لا يمكن أن يؤدي إلى نتيجة، مشددا على ضرورة “العمل الجماعي المنظم، الذي يحتوي الجميع، ودون تمييز”. وفتح البراك الباب أمام السلطة للتقدُّم “خطوة” من أجل الشعب، وقال بأن الشعب سيخطو خطوتين نحوها في حال فعلت ذلك، رافضا الاتهامات الموجهة إلى المعارضة بأنها “انقلابية”. ولكنه رأى في المقابل بأن الحكم في الكويت يستند على نظام “المشيخة” الذي يقوم على “السمع والطاعة”.  في حين أن حلفاء النظام يؤمنون فقط بـ”الدينار والدرهم”، داعيا السلطة وأتباعها للتفكير في المستقبل، وعدم انتظار مرحلة “كسر الصمت” وخروج الناس إلى الشارع.

 

وأقر البراك – وبعد مراجعات قام بها داخل السجن – بأن المعارضة – وهو جزء منها – وقعت في الأخطاء، وأعلن بأن أهم هذه الأخطاء هو الإعلاء من شأن “شأن العمل البرلماني على حساب العمل السياسي المنظم”، وارتكاب أخطاء في بعض الأولويات الأخرى. إلا أن البراك أكد أيضاً بأن أخطاء السلطة “مدمِّرة للمجتمع”، وأنها ذهبت إلى حد “التوحش” ضد الشعب. وشدد، في هذه المرحلة، على تعزيز العمل السياسي المنظم وإلغاء التصنيف المذهبي والقبلي من القاموس الوطني، وبمنأى عن الصراع الاجتماعي الذي خلقته السلطة، وقال إن البطولات الشخصية لا تناسب الوضع الراهن، معلنا بأن يده “ممدودة” لكلّ منْ يسعى لإنقاذ الكويت، وعلى قاعدة “الحكومة المنتخبة”. وختم البراك كلمته بالاستعداد للمزيد من التضحية من هذا المشروع المعارض، وقال إن التاريخ وتجارب الدول الأخرى تؤكد أن الشعوب تصبر كثيرا، ولكن صبرها لها حدود.

 

بعد الاحتفاء بمسلم البراك.. ماذا عن ثورة البحرين؟

 

 

اختطف البراك، منذ لحظة خروجه من المعتقل، انتباه المعارضين والنشطاء والمواطنين في دول الخليج، وتوجهت الأنظار والأسماع لمتابعة المسار السياسي الذي سيحدده في إطار قيادته “الأقوى بعد السجن” للمعارضة الكويتية، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على الخيارات والتوازنات داخل الكويت وبقية دول الخليج. وكان لافتاً أن البراك استطاع أن يُعيد حضوره، وبسرعة، داخل المجتمع السياسي الكويتي والخليجي وباتجاه الأفق المعارض الذي يبدو أنه في الاتجاه الحثيث نحوه، فيما تحدث معلقون بأن البراك بدا – وبعد اعتقاله – في صورة “القائد ورجل الدولة”، كما لم يتردد النائب السابق عبد الحميد دشتي في دعوة الكويتيين إلى وضع أيديهم بيد البراك، مشيدا بخطابه الذي قال بأنه “خطاب وطني بامتياز”. على أن الجميع، ولا شك، لا زال ينتظر أولى الخطوات “الإيجابية” من رأس السلطة الكويتية، ومن الأمير شخصياً.

بدوره، قال المحلل السياسي شفيق الغبرا بأن البراك أضحى “ظاهرة سياسية عربية وخليجية”، ورأى في خروجه من السجن “مكسباً للكويت ولآفاق وصولها لتحولات إيجابية”، إلا أن ذلك يراه البعض “بعيد المنال” حتى الآن، ليس بسبب “التعقيد” الداخلي الذي يرتهن له الوضع الحاكم في الكويت فحسب، ولكن أيضاً بسبب “انقباض” الحراك السياسي الكويتي، ولزومه حتى الآن في حدود “الأمراض السياسية” التي شخصها البراك نفسه، وخاصة بشأن العمل السياسي “المنظم”، وعُسر الخروج من الإنقسامات العامودية داخل المجتمع، إضافة إلى ضبابية المواقف المحيطة بالمعارضة نفسها.

شريف

من الجانب الآخر، كان من الطبيعي أن ينجذب المواطنون في البحرين للبراك، وأكثر من غيرهم، ولاسيما بعد أن ظهر من خطابه مساء أمس بأنه يكاد يتقاطع مع العديد من الرؤى والأهداف التي ترفعها المعارضة السياسية في البحرين، وهي المعارضة التي احتفى رموزها بالبراك، حيث وصف المعارض البارز إبراهيم شريف خطابه الأخير بأنه “قوي”، وأكد بأن مضامينه هي ذاتها “مضامين المعارضة في البحرين”، مردداً شعار “خليجنا واحد، همّنا واحد، ومطلبنا واحد”. إلا أن ذلك – بحسب ناشطين – يتطلب من الجماعات السياسية أن تقوم بدورها “بمراجعة ذاتية” واستخلاص الدروس بشأن خياراتها وأولوياتها التي اعتمدتها، ليس خلال السنوات الست من الثورة البحرانية، ولكن قبل ذلك أيضاً. ويذهب الداعون إلى ذلك، بأن المراجعة المطلوبة من المعارضة ليست موبوءة بالخلفيات التي كان ينطلق منها موالو السلطة الخليفية، أو أولئك الذين فقدوا مصالحهم ومكاسبهم من الاحتجاج الشعبي والسياسي المتواصل، ودعوا المعارضة لمراجعة “معارضتها” والخروج منها، بل إن المراجعة المأمولة – يضيف أولئك – هو إعادة قراءة الفعل المعارض من أجل توسيع مداه، والخروج من دوائره الضيقة، ورهاناته المحدودة. ولعل حديث البراك عن خطأ تعظيم العمل البرلماني على حساب “العمل السياسي المنظم”؛ يمكن أن يفتح باب المراجعات المنتظر من المعارضة في البحرين، وذلك عبر التفكير في الحدود المرجو إطالتها، وتمديدها بالنسبة للنضال السياسي، وذلك بعد أن جرّب المعارضون السياسيون “العمل البرلماني” وخرجوا منه بنتائج صفريّة، وبعد أن قُطّعت عنهم سُبل العمل السياسي “المقنن” وفق إرادة السلطة الخليفية، ومربعاتها الأمنية.

الخطيب

ثمة أمر آخر تُنبه إليه الكاتبة الكويتية ابتهال الخطيب في نقدها لمسلم البراك نفسه، وذلك بحديثها عن تحولات “جذرية” بدت على البراك بعد خروجه من السجن، وكونه قدّم رؤية للعمل الديمقراطي ونبذ التقسيم المذهبي والقبلي والدفاع عن حقوق الإنسان، في الوقت الذي كانت له مواقف سابقة تتعارض مع ذلك. وبمعزل عن مدى صحة ما تذهب إليه الخطيب، إلا أن ما تقوله يدفع أيضا لعدم “الاستئناس” المطلق بهذه الاحتفائيات التعظيمية التي تمركزت حول شخص البراك، وأن المفترض – كما يقول أحد متابعي الشأن الديمقراطي في الخليج – هو اقتناص الدعوات والمسارات والخيارات الجديدة التي يطرحها البراك هذه الأيام، وتعويمها في حراك سياسي واسع، مدعوم بحركة الشارع. أي، أن التحذير يتوجه إلى تحاشي تحويل البراك إلى “بطل فردي”، وخلاف الرؤية التي يدعو إليها شخصياً، وهي تحريك الإرادة السياسية المنظمة، وإحاطتها بحراك شعبي جاد. ومن ذلك يُفهم محتوى ردود الأفعال التي عظمت من البراك، وباركت خروجه، والتي صدرت من شخصيات وجهات معادية للحراك الشعبي المعارض، وكان لبعضها “تاريخ أسود” في مناهضة ثورة البحرين، والتأليب عليها، والرقص على جراح البحرانيين وعذاباتهم طيلة السنوات الماضية. وفي المصبّ ذاته، فإن هناك من يُشدد أيضاً على ضبط “العواطف” تجاه البراك نفسه، ليس من باب “المناكدة” واستذكار الماضي “غير الإيجابي” للرجل، وخاصة بشأن رؤيته في ملفات البحرين ومجلس التعاون الخليجي والموقع السعودي فيه والعلاقة مع إيران والأحداث في سوريا، ولكن لكي لا تُصبح المشاعر الوقتية “المبرَّرة” هي ميزان الرؤية والعمل في الأمام.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى