مقابلات

هاني العبندي لـ(البحرين اليوم): محمد بن سلمان يخسر في الداخل والخارج.. وآل سعود سيواصلون منع الحل السياسي في البحرين (٢-٢)

البحرين اليوم – (خاص)

في الجزء الثاني من المقابلة مع الصحافي الشاب هاني العبندي؛ يؤكد لـ(البحرين اليوم) بأن الأمور في المنطقة الشرقية بالسعودية ستظل علي صفيح ممتد من التصعيد والتأزم، وذلك في إطار الإضطراب الذي تعاني منه السعودية في ظل الهيمنة التي يفرضها ولي العهد محمد بن سلمان، الذي يرى العبندي بأن السعودية خسرت تحت سيطرته كل ملفاتها الداخلية والخارجية، متوقعاً المزيد من الخسائر.

بسبب التعنت السعودي، يرى العبندي، بأنه لا حل سياسيا يلوح في الأفق في البحرين. فيما ستظل المنطقة الشرقية أسيرة عدم الاستقرار والتراجع العام مع تنامي سيطرة الوجهاء والنخبة القريبة من السلطة، بما في ذلك بعض النخب الثقافية التي يرى العبندي بأنها تمارس دورها الثقافي بروح “براغماتية” ولا تنظر، بالفعل، إلى المصالح الحقيقية للناس وتلبية تطلعاتهم في الحرية والعدالة.

 – نص الجزء الثاني من المقابلة:

* بعد سنوات من المواجهات والاضطرابات وعمليات القمع والاعتقال. برأيك، إلى أين تتجه الأمور في المنطقة الشرقية من السعودية؟

– ما ينبغي التأكيد عليه، هو أن التصعيد التصعيد الأمني والتحريض الإعلامي الرسمي ضد أهالي القطيف والأحساء لم يتوقف حتى هذا اليوم، هناك وضع عام غير مستقر، طالما هناك مُعارضة وإن كانت بعيدة عن الأضواء بسبب القمع، وهناك مُطاردون سواء كانوا في قوائم أمنية أم لا، ومعتقلون بعضهم صدر بحقهم أحكام إعدام وفي أي لحظة قد يُنفّذ الحكم ببعضهم، ولعلى أبرزهم الشاب علي النمر ابن شقيق الشهيد الشيخ نمر النمر.  التصعيد من قبل النظام قد يأخذ عدة صور ومستويات، أحيانا يكون عالياً وأحيانا أخرى أقل حدة، ولكن في كل الأحوال لا يمكن الوثوق بما تقوله الأجهزة الأمنية، التي تدعو بين الفينة والأخرى إلى تسليم المطلوبين السياسيين أنفسهم من ضمانات تسربها عبر شخصيات ووجهاء بمراعاة “الحكم الصادر ضدهم”! إلا أن الواقع يكذب كل هذه الإدعاءات.

السعودية: خسائر في الداخل والخارج

* كيف تقرأ المحيط الإقليمي الذي تقوده السعودية؟ إلى أين يتجه وماذا حقق أو سيحقق؟

 

– كتبت مقالاً في وقت سابق بعنوان “المملكة السلمانية: بن سلمان نحو مزيد من الخسائر في الملفات الداخلية والخارجية”، تناولت فيه منهج ولي العهد محمد بن سلمان، وقلتُ بأنه منهج يصنع الأزمات ويفاقهما ويزيدها تعقيداً، وأجده صورة من الطاغية صدام حسين، إلا أنه لا يمتلك الشجاعة الكافية في الكشف عن حقيقة ما يدعيه أمام المواطنين، ولا حتى أمام المجتمع الدولي، ولعلى أبرز الملفات التي تؤكد التحليل السياسي الذي ذهبت إليه هو الشأن اللبناني، حيث التدخل السافر والمتجاوز لكل الأعراف الدبلوماسية عبر الضغط على رئيس الوزراء سعد الحريري لتقديم استقالته وحجزه في الرياض، في محاولة لخلق أزمة سياسية داخل لبنان بعد تكبّد النظام السعودي العديد من الخسائر السياسية والعسكرية في دول الإقليم، بما في ذلك اليمن وسوريا والعراق.

ألم يقل محمد بن سلمان في لقاء سابق إنه خلال أيام يستطيع القضاء على “الحوثيين” بحسب تعبيره، وإنهاء الحرب على اليمن؟!ّ ها نحن على مقربة من مرور ٣ سنوات ولم يتحقق أي شيء من الأهداف المعلنة، بما في ذلك ذريعة الحرب المعلنة: “عودة الشرعية السياسية لليمن”. في المقابل، نجد أن القوة العسكرية اليمنية في تطور، والصواريخ وصلت إلى الرياض، ولا نستغرب لو أصاب صاروخ آخر قصر اليمامة، طالما لا تزال حمم النيران تسقط على الشعب اليمني دون تمييز بين مدنيين وعسكريين. وفي تقديري الشخصي، مادام هناك ضوء أخضر أمريكي ودعم شخصي من قبل دونالد ترامب إلى “المملكة السلمانية” بقيادة شاب لم يبلغ الحلم السياسي؛ فالمتوقع هو مزيد من الأزمات الداخلية والخارجية، مما ينعكس على النظام وحلفائه في المنطقة، هذا إن بقى له حلفاء!

لا حل سياسيا في الأفق في البحرين

* في الشأن السياسي للبحرين، كيف تدير الرياض هذا الملف؟ وهل يمكن التفكير في التسوية ولو من باب التنظير، أم أن تصعيد العائلة الحاكمة “آل سعود” وصل إلى حد لا يمكن معه حل سياسي؟

– الملف البحراني لا يمكن توقع أي تغيير سياسي فيه، ولو طفيف! لأن النظام السعودي فرض همينته السياسية على العائلة الخليفية، وفي الحقيقة كنت قد تحدثت مع أحد نشطاء حقوق الإنسان قبل أن تبدأ ثورة ١٤ فبراير، وقلت إن العائلة الحاكمة “آل سعود” لن تتفرج على نار الثورة التي تشتعل بالجوار منها، بل سوف تسعى إلى التدخل، وهذا تماماً ما حدث. إن عائلة آل سعود تخشى كثيراً من أي تغيير سياسي يصب في صالح شعوب المنطقة، ولهذا تدخلت بشكل سريع في العراق، وفي اليمن، وحالياً في البحرين. لا يمكن الحديث عن تسوية سياسية في ظل أنظمة قبلية لا تُجيد أبجديات بناء دولة المؤسسات والقانون، بل هي تتصرف بطريقة أقرب إلى “رعاة مزارع لا رعاة أوطان”، فلا حل سياسي يلوح في الأفق في البحرين، وأجد أن الصبر المقرون بالعمل الإستراتيجي سيُساهم في جعل القضية حية، بانتظار نضوج الظروف وبلورة حل مناسب.

 

* إذا انتقلنا إلى المشهد الثقافي في المنطقة الشرقية بالسعودية.. إلى أين يتجه بالتقاطع مع السياق السياسي؟

 

– في ظني أن المشهد الثقافي في سياقه السياسي هو ذو طبيعة براغماتية (Pragmatism )، فلا يخضع إلى قيم ومبادئ ثابته، ولهذا شهدنا في السنوات السابقة مع بدء الانتفاضة الثانية مواقف منسجمة مع المتظاهرين، بينما في هذه الفترة نجد النقيض تماماً. حينما تمت فبركة العديد من المسرحيات الأمنية واعتقال مجموعة الكفاءات الشيعية التي اتُّهمت بالتجسس لصالح إيران؛ أقدمت نخبة من رجال الدين والمثقفين على المساهمة في كتابة بيان يدين وزارة الداخلية، وكنتُ أصغر مشارك في التوقيع على البيان، مما دفع جهاز المباحث للاتصال بأهلي في القطيف للحصول على رقم هاتفي بقصد التحقيق معي عبر الهاتف، ولكن لم يحصل أي شيء من هذا. وكذلك تم التحقيق مع كل منْ وقّع على البيان، ووُضع الشيخ حسن الصفار تحت الإقامة الجبرية في الرياض لمدة تقارب أسبوعين. إلا أن بعض أفراد هذه النخبة تغيّر موقفها، وبحيث تصف ما يحدث في القطيف والعوامية على أنه “إرهاب”.

توفيق السيف: المثقف البراغماتي

* لنأخذ مثالا تطبيقيا.. كيف تقارب أفكارك الدكتور توفيق السيف في هذا المجال؟

– البعض مثل الدكتور توفيق السيف وصف ما يحدث في القطيف على أنه “حركة داعشية”، إضافة إلى أنه لا يرى وجود تمييز طائفي ممنهج، وأنه ناتج عن ما وصفه في لقاء صحافي “هيمنة الثقافة التقليدية في مؤسسة الدولة وفي المجتمع..” بينما الواقع يُضعف هذا الإدعاء، أيضاً حينما وُجّه له سؤال في ذات اللقاء بشأن كتبه في فيسبوك بقوله إن “القطيف تعاني من أبنائها الدواعش الذين يحملون السلاح ويرعبون كل من يختلف معهم”. طبعاً لست هنا بصدد تبرير وجود السلاح، وقد كتبت سابقا مقالات حول ذلك، وخطر العنف على المجتمع، وهو ذاته ما كان يُحذّر منه الشيخ نمر النمر. ولكن ما فعله الدكتور السيف هو الذهاب إلى النتائج دون مكاشفة المجتمع عن الدوافع التي جعلت من الشباب يستخدمون السلاح، سواء في إطار الدفاع أو الهجوم، هذا فضلاً عن معرفته أن الجنود السعوديين القناصين الذين كانوا على الأسطح اغتالوا العديد من المتظاهرين الشباب في الشوارع، مثل الشهيد القريريص والسيد أكبر الشاخوري.

في النتيجة، أجد أنني غير متصالح مع الخطاب الثقافي في سياقه السياسي في المنطقة الشرقية بسبب طبيعته البراغماتية التي تسعى لتحقيق المنفعة دون النظر إلى الطريقة التي من شأنها أن تُسهم في إضعاف المجتمع وتقسيمه إلى كيانات متنازعة بين بعضها البعض، وهذا ما يفسر حجم الفجوة التي تتسع كلما زاد قمع النظام داخل المجتمع في القطيف والأحساء.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى