مقابلات

الشيخ عباس شمس الدين لـ “البحرين اليوم”: العراق بانتظاره الكثير.. والسعودية سترى ما لا يسرّها.. والبحرين المعادلة الحساسة

 

 
البحرين اليوم – (خاص)
 
 من العراق إلى السعودية فالبحرين، يتحدث الشيخ عباس شمس الدين في موضوعات تتقاطع بين الدين والسياسة، وتتلاقى فيها تجارب الماضي بإرهاصات الحاضر المتفجر بالأزمات. في حوار مطوَّل مع (البحرين اليوم)؛ يرى الشيخ شمس الدين بأن هناك تغلغلا “داعشيا” في الوسط السني بالعراق، وهو ما يجعل العراق مفتوحاً على أزمات أخرى يغذّيها وجود “دول الظلمة” ونموذجها السعوديّ، بحسب شمس الدين الذي يقدّم قراءة للمشهد السعودي الدراماتيكي، مؤكدا بأن الرياض بانتظار ما لا يسرّها من العواقب.
يقرأ الشيخ شمس الدين واقع العراق بأكثر من جهة، ويقدّم وجهة نظرة ناقدة لما يُعرَف اليوم بالتيار الصدري، مستفيدا من علاقته الوطيدة بالشهيد محمد الصدر، التي كانت تقوم على التلمذه والمريدية، حيث كان يحظى بثقة كبيرة من جانب الشهيد الصدر، وقد كلفه بمهام تعليمية وإدارية في الحوزة، وفي تولي القضاء الشرعي في البصرة والنجف الأشرف.
 
وفيما يلي جوانب من المقابلة:
 

* بعد إعلان الانتهاء من “داعش” في العراق، هل يمكن القول اليوم بأن بلاد الرافدين أضحت بخير؟ وما المشاكل التي تعصف أو (ستعصف) به في ظل المعطيات الموجودة؟

– العراق يعاني جملة من نقاط الضعف، فالعقلية الداعشية متغلغلة في الوسط السني العراقي ومتوغلة فيه، وإسقاط “دولة داعش” لا يعني نهاية جمهورها، والأكراد يشكلون علقة ضخمة تمتص موارد العراق، وتساهم مساهمة عضوية في إضعافه داخليا وخارجيا، والفساد المستشري في الهيكل الاداري العام للدولة ثالثة الأثافي.
في حين يعاني الشيعة من الضخ المسموم لجميع الخطط والمؤامرات لتمزيقه، وجعله شيعا وأحزابا تتصارع فيما بينها.
إن وجود العراق – دون أن يحسم أمره إلى محور المقاومة وإلى الأبد – جعله مجذبة بين الأطراف المتصارعة، وأضعف دوره، وساهمت العوامل الثلاثة الأخرى أيضا في ذلك، فهو منهك جدا. ما لم تتغلب إرادة المقاومة على إرادة الحياد والنأي بالنفس والتوسطية.
_101341_ir4
“التيار الصدري” ليس له هوية
* ارتبط اسم الشيخ عباس شمس الدين كثيراً بالشهيد السيد محمد صادق الصدر، وهي علاقة تمتد منذ العام أوائل التسعينات وحتى استشهاده في شتاء ١٩٩٩م. كيف تقرأ التيار الصدري الحالي، وما التباين بينه وبين الفكر الذي نضح به الشهيد الصدر؟
– تيار الأحرار الذي يُطلق عليه أحيانا (الصدري) تجوّزا؛ يعلن بالممارسة العملية بأنه لا علاقة له من قريب أو بعيد بفكر السيد الشهيد الصدر وسيرته العلمية والعملية، بل يشير بعضهم إلى أنه حتى هذا التجوُّز ناتج عن اشتقاق اسمه من اسم مقتدى الصدر، والذي قطع في الأخير – وكرر ذلك مرارا – هذه الصلة الرمزية فأطلق عليه اسم (تيار الأحرار)، حتى يمنع النسبة إلى الشهيد الصدر بنوع من الارتباط البين.
وتيار الأحرار الحالي ليست له هوية دينية أو ثقافية أو سياسية واضحة، فهو لا يرجع إلى أي من المراجع الحاليين، رغم أن فكر الشهيد الصدر مبني على (لا تقولوا قولا أو تفعلوا فعلا إلا بعد مراجعة الحوزة العلمية)، ولأنه لم يُبن على عقيدة فكرية أو سياسية محددة؛ فهو صعب التصنيف، فلا يمكن وصفه بالإسلامي أو العلماني أو اليميني أو اليساري، بل هو مرتبط بقرارات زعيمه فقط، الذي تتغير اتجاهات سلوكه السياسي وفق معطيات لا يمكن لأحد غيره تحديدها. فهذا التيار الآن يعادي تيارات إسلامية جهادية، ويطاردها في المحافل السياسية، ويضيّق عليها الخناق بكل الوسائل، وفي عين الوقت يتحالف مع أكثر التيارات العلمانية تطرفا ومعاداة للإسلام. وقد سبق أن ءعلن السيد مقتدى الصدر براءته من هذا التيار حينما يبدو مسلكه صادما لظنون جمهوره، لكنها كانت فيما يبدو براءات شكلية.
أمريكا تستهدف المرجعية
* قلت في إحدى منشوراتك إن أمريكا تستهدف “مقام المرجعية”، وضّح لنا ذلك مفهوماً ومصداقاً؟
– عرفت أمريكا بل العالم كله منذ زمن بعيد، وتأكدت بعد ٢٠٠٣م، أن الشيعة – وهي القوة الوحيدة التي واجهتها وهزمتها في إيران والعراق ولبنان – والسند الاساسي والرافعة العضوية لجهادها يكمن في مرجعيتها، فهزائم امريكا – ومن قبلها بريطانيا – قد أتت نتيجة لفتاوى من مرجعيات مجاهدة، وعندما شخّصت أمريكا ذلك بدأت بمخطط ذكي وواسع في مهاجمة مقام المرجعية، بغض النظر عن شاغله، وعن فهمه لعظمة المهمة المكلف بها، فاختارت أن تُصوِّب على ثلاثة أمور جوهرية: عصمة الأئمة عليهم السلام باعتبارها العماد الأساسي للفكر الشيعي الذي إنْ سقط، فستسقط قيمة إتّباع المرجع وطاعته بالتبعية، فأنشأت وروّجت لتيارات الموهِّنة والمهوِّنة لعظمة الائمة، وبالمقابل زادت من دعمها وحمايتها للتيارات الفاحشة الغلو، ليقع العالم الشيعي بين تياري التفريط والافراط.
أما الأمر الثاني فهو آلية (التقليد) الديني للمراجع، لأنها هي منْ يوفر ساحة الطاعة ومادة الإتباع لكل المرجعيات ويوحّد جماهير الشيعة تحت راية علمائها، وبالتشكيك فيها تنفض الجماهير عن قادتها، وتنتفض على طاعتهم.
والأمر الثالث هو فريضة الخمس، مصدر تمويل الحوزات العلمية على مدى الدهور – وهي المصنع الطبيعي لإنتاج المراجع – وبالتشكيك في أصلها أو في بقائها في عصر الغيبة لا محالة فيه إضعاف وتجفيف منابع العلم الشيعي.
وقد شنّ توابع لأمريكا، من عمائم فاسدة مشتراة وأكاديميون مكلفون، هجمة شرسة على هذه المحاور الثلاثة، ممتدة من قم إلى بيروت مرورا بكل حواضر التشيع. والهدف هو إسقاط دور المرجع في المجتمع الشيعي بعد أن ذاقت أمريكا على يديه أو بتوسطه مُرّ الهزائم.
1581-660x375
السعودية: نموذج دولة الظلمة

* هل العراق القوي مظلة أكبر من العراق؟ أم أنه غير قادر أن يكون خارج حدوده؟ بيّن لنا معالم نفوذه لو كان العراق قوياً وناهضاً؟

 
– العراق القوي ستمتد حدوده من كابل حتى بيروت، ومن أذربيجان حتى صنعاء، ويلقي بظلاله على بقعة أوسع بكثير، ومنْ يقرأ التاريخ يرى أن العراق القوي قد يمتد إلى أبعد من ذلك بكثير، لكنه إنْ ضعُف فإنه لن يتمكن حتى من ملأ حدوده نفسها.
سيكون العراق القوي قلْب العجلة الهائلة التي تتحرك من الشرق الإسلامي إلى الغرب الإسلامي، ولا تتوقف إلا لإعادة حركة هذه العجلة بالعكس. والأمر شامل لجميع النواحي الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية والعقائدية والعلمية ايضا.
* في هذا السياق، كيف تقرأ خارطة السعودية اليوم، الخارطة السياسية تحديدا الموجهة نحو إسرائيل؟
– في الغالب؛ إن دولة الظلمة – والسعودية نموذج ممتاز لها – تمتاز بكونها محكومة بعقليات جاهلة، بخلاف دول الجور الأخرى – كدول الجبارين والمترفين – فإنها وإنْ غابت عن النظر إلى الآخرة والقضايا الإنسانية، إلا أن فهمها الدنيوي قد يفوق غيرها، فهي تُوكل أمرها إلى المؤسسات، فلا تنحدر إلى هذا المستوى المتدني، بخلاف ما تفعل معظم دول الخليج، وكثير من الدول العربية. وفي مقدمة القائمة منها السعودية.
إنْ ظنّ حكام السعودية أن التحالف الجوهري مع إسرائيل سيمنحها قوة دفع أخرى، وزخما جديدا في تحويلها إلى “وكيل بالنيابة” لخوض حروب أمريكا وإسرائيل ومحو الشيعة من شرق المتوسط وما حول الخليج؛ كلّ ذلك هو واحد من أعراض “مرض الوهم” التي ترتكبه السعودية الرعناء، بعد أن ورثت سلفتها (السعودية اللئيمة).
مستقبل السعودية الرعناء ليس ببعيد، فإنها تسعى بعجالة مدهشة لرؤيته، وستراه عما قريب، ولن يسرّها حينذاك ما قد ترى!
* بين مشهد سقوط داعش، وتخبط السعودية، والوضع المربك الذي تتحدث عنه في العراق.. إلى أين تتجه التيارات الفاعلة في المنطقة؟
– بعد وصول تيار النهضة في بدايات القرن الماضي إلى طريق مسدود، ثم تلبُّسه باللبوس السياسي بحركة الإخوان التي أفرزت في النهاية تيار التكفير، ومع وجود التيارات التصالحية كحزب التحرير، والتزاوج الغريب والمشبوه بين هذه التيارات ومشاريع المخابرات الأمريكية والأنظمة العملية لها بهذه التيارات الذي أنتج سلسلة منظمات الإرهاب الديني، ابتداءا من القاعدة وداعش والنصرة وانتظارا لما ستفرزه.. بعد كلّ ذلك؛ أيقن جمهور عريض من القطاع السني أنه لم يعد له خيار – بسبب التلاعب به من المتنفذين في العالمين العربي والإسلامي – إلا التخلي عن هويت الدينية والانخراط بعملية التذويب الديني، أو الانتفاضة مجددا والسير بالبيعة الداعشية لآخر مدى.
إن خطوات السعودية الأخيرة السائرة نحو العلمانية بسرعة شديدة، وبعجلة أمريكية؛ سترتدُّ في الداخل السعودي، وتجعل كثيرا مما كان تحت النظر من الأفكار الداعشية تتجه نحو الأعماق وتزداد شراسة، وستجذب كثقبٍ أسود كلَّ الدواعش الافتراضيين والمحتملين في دول الخليج، لتشغل جزيرة العرب ككرةٍ مرتدة.
التيارات لدينا إما وراثيات عائلية ليست لديها أي مشروع سوى إدامة حكم العائلة، أو تيارات جهادية تبذل ما بوسعها لحماية بيضتها، باستثناءات قليلة تمكّن فيها قادة بعض التيارات على اكتشاف والتعرُّف على أهمية الحرب الثقافية التي تفوق أهمية حرب السلاح، لكن الأعم الأغلب من الحركات الأخرى ما يزال غافلا من أن كثيرا من الأراضي التي يحررها؛ سيستوطنها كثير من إما الدواعش أو الملحدين.
التيارات الشيعية في معركة تحدي أمام الأولويات والموازنة بين الحار والبارد، وعندما تعطي لكل حقه ستتنامى وتتعاظم، وخلاف ذلك؛ فإنه إن ربحت معركة الأرض فستخسر معركة القلوب والعقيدة.
23795189_1710830925634598_1306475278695417865_n
البحرين وترتيب أوراق المنطقة
* إذا انتقلنا إلى البحرين، كيف تنظر لما يجري فيها؟ وأي أفق برأيك بانتظار قضية الشعب البحراني؟
– لقد وصلنا الى العصر الذي باتت إرادات الشعوب بغضّ النظر عن وعيها أو غيابه هي الحاكمة في اختيار مصائر بلدانها، والأمر لا يتخطى البحرين، بل يتجلى هناك بأعلى درجات المطلوبية، فهذا الشعب الحر والأبي والمتمسك بعمق بتاريخه وانتمائه العقائدي، والذي يعاني اضطهادا مخيفا وقمعا دمويا وحجرا للتعبير عن ذاته؛ لا بد له في يوم قريب أن ينال حريته، ويتمكّن من فرض إرادته وتحقيق آماله، ولن يتحقق ذلك إلا بتوحيد جهوده تحت قيادة علمائية واضحة وشديدة المراس، تفهم ما له وما عليه، وتستطيع أن توفي بما عليها.
* هل صحيح برأيك أن البحرين واقعة تحت مثلث: قمته (أمريكا وبريطانيا) وأحد زواياه السعودية وزاويته المقابلة إيران؟ 
– البحرين تشكل معادلة حساسة وسط الخليج المعادي لثقافتها العقدية، وموقعها المهم والحساس يجعلها نقطة قوة للمتغلب على قرارها. وبدون إرادة شعبية حرة وواعية تمُسك إدارة هذه الجزيرة؛ فإن أمرها موكول إلى حسابات “الأسر المتغلبة” والتي لن يكون اهتمامات الشعوب وآمالها من أولوياتها.
إن الشعب البحراني الكريم لو تمكّن من تولي أمره بيده؛ فليس له إلا خيار إعادة ترتيب أوراق المنطقة، بجعل نفسه نقطة معادلة حساسة ودقيقة لحفظ أمن الخليج والإبقاء على سلامه.
 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى