عبدالغني خنجرمقالات

في ذكرى شهداء الإعدام: معركة المصير.. والتسويات المستحيلة

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: عبد الغني الخنجر*

الناطق باسم حركة (حق)

  • نص كلمة أُلقيت في حفل تأبين شهداء الإعدام الثلاثة بمدينة قم الإيرانية، ١٤ يناير ٢٠١٨

 

 

نؤمن كمسلمين بأن للإنسان حياتيين، حياته الفعلية في الدنيا، وفي الواقع، وتبدأ منذ ولادته، وحياته الأخرى بعد مماته، وعند بعثه يوم القيامة وما يليها من جنة أو نار، وبينهما حياة برزخية، تختص بالنفس أو الروح ويكون شكل حياة البرزخ مناسباً لأفعال ذلك الإنسان في حياته الدنيا، فإما عذاب وإما نعيم، كما وتكون حياته الأخروية بعد الحساب وبعد يوم القيامة مرهونة بعمله، وسلوكه، وإيمانه، فإن كان من الذين رضي الله عنهم وكانوا على صراطه المستقيم فجنة نعيم، وإن كان من الذين غضب الله عليهم فعذاب وجحيم.

إذاً نحن في هذه الدنيا وفق كل معتقداتنا وما تلته لنا آيات القران الكريم في دار اختبار وممر؛ لحياة أخرى وعد الله فيها المتقين في دار الدنيا بالنعيم المقيم والخلود الأبدي في دار الخلود. ولذا كانت دار الدنيا محل بلوى وتمحيص، ومزرعة فيها نعمل ونزرع ونعاني ونصبر في جنب الله لنحصد غدا مثقالاً بمثقالٍ، فإما خيراً فنراه خيرا، وإما شراً فنراه شرا.

ومن هنا كانت هناك مواقف وتكليف، وكان هناك حق وباطل وشر وخير وتقوى وفجور وكانت هناك سعادة وشقاء وبلاء وتمحيص.

ألم يبلَ الأنبياء والرسل والصالحون على مر التاريخ، ألم يكن هناك فرعون وهامان وكان هناك موسى وهارون، ألم يكن هناك النمرود وأصحاب الأخدود، ألم يكن هناك محمد صل الله عليه وآله وسلم وكان هناك أبوجهل وأبو سفيان؟ وهكذا هي سنة الله في الكون أن يكون حق وباطل وأن يكون للحق رجاله وللباطل مريديه.

ويأتي وعد الله لعباده الصابرين على البلاء والعذاب والقابضين على الجمر بالنصر والغلبة، ويعد الله عباده الذين يُقتلون في سبيله وفي طريقه لا يريدون شيئاً إلا وجهه ورضاه محتسبين صابرين يعدهم الله بالحياة الأبدية وجنة الفردوس ويتوعد الله سبحانه وتعال الطغاة والفراعنة والمستكبرين بالإمهال ليزدادوا إثماً وليس الإهمال وبعاقبة السوء وبخزي الدنيا والآخرة وبعذاب جهنم وبأس المصير.

وتأتي الشهادة لتكون بُراقا تحلّق بجند الله نحو الجنة ولتكون خاصة لأولياء الله سبحانه وتعالى، بل تتعدى كل ذلك ليقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم ” ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون”، ما يشير بشكل واضح لكرامة القتل في سبيل الله وقيمة التضحية دون دين الله، وأن أولئك الذين يقدمون حياتهم في سبيل الله لا يموتون ، وأن رزقهم لا ينقطع.

اليوم نقف في ذكرى عزيزة على قلوبنا، صحيح أنها ذكرى أليمة وحزينة ومفجعة، صحيح أنها ذكرى لثلاثة شباب في عمر الزهور أصدر أوامر إعدامهم رمياً بالرصاص الحي بعد تعذيبهم طاغية مستبد متغطرس، ليكونوا شهداء وشاهدين على علو وتكبر هذا الطاغية وخبث عقيدته، ليكونوا شهداء وشاهدين على أمتهم التي تجاهد في جبهة الحق والدين والوطن في قبال جبهة الطاغية ومرتزقته.

قُتل عباس السميع وسامي مشيمع وعلي السنكيس وذهبوا لربهم، وبقيت أمانة المسير على دربهم بغية تحقيق الأهداف التي أستشهدوا في سبيلها لتكون غاية يواصل شعبنا سيره الحثيث في سبيل حفظها.

خطابات الساحة ومعركة المصير:

في داخل البحرين اليوم ومنذ اندلاع ثورة 14 فبراير؛ هناك خطابات ومواقف، وهناك معركة مصيرية مع نظام آل خليفة الفاشي. وكل من يتصدى للخطاب العام، عليه مسؤولية، وكل من يتخذ مواقف عامة تُعنى بشؤون الساحة عليه مسؤولية أيضا، وهذه المسؤولية هي أمام الله وأمام الأمة وأمام التأريخ. إما أن يكون الخطاب السياسي – والمتعلق بالساحة خصوصاً – عاماً فضفاضاً ويناقش عموميات ومبادئ عامة، قد لا يختلف عليها اثنان، وبالتالي لا يغير هذا الخطاب كثيراً في التصدي للطاغوت، ولا يغير هذا الخطاب كثيراً في نصرة المستضعفين وتغيير المنكر، فيصبح خطاباً ثقافياً مفصولاً عملياً عن مجريات ساحة المؤمنين، فلا يرفع عنهم ضراً ولا يترصد الظالم ليرد بغيه وتعديه، وإما أن يكون هذا الخطاب خطاب المتصدي المستعد لتحمل تبعات وأثمان هذا الخطاب، خصوصاً عندما لا يساوي هذا الخطاب بين الضحية والجلاد، ولا يجامل في قول كلمة الحق وإنْ ثقلت، وأن يكون هذا الخطاب سنداً للمستضعفين، وكلمة حق في وجه سلطان جائر. وهذا خطابٌ حث عليه الباري جل وعلا وأمر به ضمن تشخيص وتكليف شرعي واضح.

لقد جسد خطاب التصدي وتحمل الكلمة ومسؤوليتها – كما أراد الله حسب تقديرنا القاصر – العديد من الرموز، وترجموا خطاباتهم بالمواقف وثبتوا فيها، ولازال كثير منهم يرزح في سجون الطاغية، ومنهم الأستاذ عبد الوهاب والأستاذ حسن مشيمع،أو يقبع تحت الحصار والإقامة الجبرية والتهديد كما هو حال آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم (حفظه الله) ولهؤلاء وعد من الله بعد الصبر والثبات أن ينصرهم ويثبتهم.

التسويات المستحيلة ودغدغة عواطف الجماهير:

في ظل معطيات الوضع الإقليمي الراهن والتصعيد المستمر في المنطقة، وفي ظل تقسيم المحاور ومعركة محور المقاومة وتصديه لإفشال مؤامرات الإستكبار والإرهاب المدعوم أمريكياً وصهيونياً وسعودياً فإننا نعتقد التالي:

– أولاً: لا يوجد أي افق لتسويات وتفاوضات مع النظام الخليفي تفضي لحلول جذرية تنهي عقود من الاضطهاد والظلم.

– ثانياً: أي طروحات استسلامية مداهنة للنظام لن يكون لها أي تأثير حتى عند أدنى مستويات التأثير، مثل إيقاف الأحكام الوحشية وتنفيذها، ولن تكون طروحات الإستسلام والمداراة السياسية إلا فرصة يستغلها النظام في ترويج الخلافات وتمزيق الساحة وكسب نقاط قوة ومساحات مناورة جديدة.

– ثالثاً: النظام يقود معركة وجود أصبح لا يملك فيها زمام أموره، وإنما ينفذ أجندة متفق عليها مع دول إقليمية، ولذا فليس باستطاعته اجتراح غير الحلول الأمنية والقمع على الأقل في الوقت الحالي، ما يتطلب منا جميعاً التصدي والصمود.

– رابعاً: إن مواقف المطبلين للدكتاتور حمد والذين يلتقطون معه الصور والهدايا؛ مواقف في غاية الاستهجان، وهي بحاجة لغطاء شرعي وأخلاقي وعلى هؤلاء أن يراجعوا مواقفهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى