ما وراء الخبر

المشهد السابع من ١٤ فبراير: بين ثبات الميدان.. وأرجوحة “الحوار” العبثي

 

البحرين اليوم – (خاص)

في المشهد السابع من ثورة ١٤ فبراير في البحرين؛ ليس هناك من أثرٍ كبير يُذكر لأكاذيب النظام غير تلك التي تتردّد مع كل كلام عن “مبادرات” أو “حوار لحل الأزمة”. ميادين الثورة، على مدى الأعوام السابعة، لم يتغيّر جوهرها، وظلت هي المؤشر الحقيقي على صيرورة الأحداث في البلاد التي باتت مخطوفة على طبق الارتزاق من جانب السعوديين والإماراتيين، وبالتزامن مع أوسع عمليات الخداع والتآمر من الأشرار الذين يحكمون في لندن وواشنطن على وجه الخصوص. رغم ذلك، فإن الغيوم التي يعمل الدجالون على جرّها فوق سماء البحرين؛ لم تنجح في محو الثورة أو في دفعها نحو الدهاليز القاتلة التي استُدرجت إليها بقية ثورات ما عُرف بالربيع العربي، وبقيت ثورة اللؤلؤة المحطةَ الأخيرة في مسلسل الاحتجاج العربي الذي تقاطعت فيه مؤامرات الدول الكبرى مع وحشية مشيخيات الصحراء. إلا أن “الإزعاج” المؤسف التي لا يكفّ عن الإيلام؛ كان من تلك الضربات التي تلاحقت على الثورة من جانب أولئك الذين لازالوا يفضّلون البقاء في المنطقة الوسطى والحديث عن أوضاع البلاد بلغة الرّماديين الحذرين من الانحياز الكامل لصوت الناس.

الذي لا شك فيه، هو أن القوى الميدانية التي تقود الثورة نجحت في إبقاء تلك القدرة على التوهج والتوقّد، وعكست فعاليات “باقون” في الذكرى السابعة للثورة؛ ذلك الجانب “الفولاذي” من الناس العاديين الذين يبقون قادة المشهد البحراني على التوالي، بعد أن توارى السياسيون خلف الأستار، وتلكأ المعجم السياسي “المساوم” وتبلّدت مفرداته حد الإفلاس. ومع إمعان الخليفيين في رمي الكرات النارية على النشطاء ورجال الدين، وإغلاق كل المنابر والأصوات المعارضة أو شبه المعارضة؛ فإن رسْم المشهد في البحرين لم يعد ممسوكا إلا بيد أولئك الذين لم يتوقفوا عن تثبيت أقدامهم في الساحات، وإعلاء هتافاتهم بشعارات الثورة الأصيلة، حتى بات ثبات هؤلاء هو العلامة الأخيرة، كما كانت الأولى، لإبلاغ العالم بما يجري داخل البلاد، وإظهار حقيقة الإيقاع الشعبي وما يلهج به المواطنون في السر والعلن. وتلك هي خلاصة الأحوال في الميادين.

 

خطابات السيد الغريفي.. والمخاطر المنتظرة

 

في السياسة، ليس هناك من قول أو فعْل ذي شأن ليُذكر في سرد الأمور منذ أكثر من عام مضى. دخلت الثورة السنة السابعة وهي مثقلة بالإدعاءات والدعوات المتكررة حول “مبادرات الحل” و”الحوار”، وبينها تلك التي تحدّث عنها مرارا العلامة السيد عبدالله الغريفي، والذي انتهى مساره الخطابي الأخير عند مجلس رئيس الوزراء الخليفي خليفة سلمان، وهو مآل “مؤسِف” تسبّب فيه “استفراد” السيد الغريفي ولجؤه إلى إطلاق “الفعل السياسي” من غير مشورة مع أحد من المعارضين، كما أكد على ذلك شخصيا، وهو انزلاق “سياسي” يوميء إلى المنعطف المغلق الذي تداعى إليها السياسيون في داخل البحرين، ممن لازالوا يمنّون أنفسهم بـ”يقظة/ طفرة ضمير” من آل خليفة، والبقاء في الحياد إلا قليلا ريثما يحصل “تغيّر ما” من السماء أو الأرض يُجبر “العصابة الحاكمة” على تقديم تنازلات تُرضي الحد الأدنى من تطلعات الذين يُمسكون خيوط الحراك الشعبي والثوري.

والحقيقة، إن “تفرُّد” صانعي “السياسة” في البحرين كان نتيجة طبيعية للانعزال المتراكم عن الشارع والتنحي عن الوظيفة الوطنية (والدينية أيضا) في التصدي الصريح لإجرام النظام وتعدياته التي تجاوزت كل الخطوط الحمراء التي حذّر أكثر من مرة علماءُ الدين ومعارضون بارزون بأن تخطّيها سوف يغيّر كل “قواعد اللعبة”. إلا أن القواعد، وخاصة في اللعبة السياسية، لم تتغير ألبتة، بل حصل ما هو أسوأ مع انكماش السياسيين “المعارضين”، ولجوء الخطاب الديني – بعد التغييب القسري الذي تعرّض له آية الله الشيخ عيسى قاسم – إلى إعادة تدوير خطابات ما قبل ١٤ فبراير، وكأن المشاهد السبعة من هذه الثورة “خارج الحسبان والأذهان”.

إن الأخطاء القاتلة والجمود السياسي للسياسيين – على النحو الذي يبدو جليا من خطابات السيد الغريفي – تتابعت بموازاة تفنّن متنوع من جانب الخليفيين في الاستهداف والاستخفاف بالسكان الأصليين. لم يُفض الخطاب المساوم للسيد الغريفي – ومنذ العام ٢٠١٥م – إلا في تغذية الخليفيين بمزيد من الجراءة في ارتكاب الجرائم وتنويع الفظاعات، ومكّن هذا الخطاب للأماكن والأشخاص الملوثين للظهور مجددا وتكرارا – وبوقاحة أكثر – لتوزيع حقائب العبور نحو تحقيق المصالح الشخصية وترديد النغمات القديمة في الإرجاف والضرب تحت الحزام. ومن المؤمّل أن يسترجع السيد الغريفي – وهو قدير وجدير بذلك – تلك النتائج الكارثية التي تلت خطاباته الوردية مع النظام، ليُقدم مراجعات سريعة من شأنها أن تقطع الطريق على الذين قد يضطرهم الواقع المرير إلى اتهام خطاب السيد بالانسجام مع مشروع آل خليفة في القضاء على الثورة، ولاسيما وأن استماتة السيد الغريفي في الدفاع عن خطابات التصالح مع النظام؛ قد تدفع تلقيات الكثيرين إلى تصنيفه سياسيا في ذات الدائرة المحروقة التي كان يتحرّك فيها المرحوم الشيخ سليمان المدني إبان انتفاضة التسعينات، وحريّ بأتباع السيد المخلصين أن يجتهدوا في قراءة التداعيات الخطيرة لمثل تلك الخطابات، وكيف أنها قد تتسبّب في تضاؤل مستوى الثقة من جانب الناس، وخاصة إذا قارنوها مع المشهدية الثورية في الميادين وإرادة الناس غير القابلة للتدجين والتعجين والتلوين لصالح الالتحقاق بنظام العبودية الخليفي. في المخيال العام، من شأن هذه المقارنة أن تدفع الوجدان الشعبي إلى تحسّرات غير قليلة، والخشية أن يتلوها انكسار داخلي تجاه الموقع الرمزي الذي يمثله سماحة السيد الغريفي.

 

الميدان والحوار: الثبات والأرجوحة

 

إن ثبات الميدان الثوري، وأرجوحة الحوار “العبثي” مع الخليفيين؛ هي معادلة مكسورة لازمت سنوات الثورة، كما كان الحال قبل ذلك، إلا أن الفارق الجوهري هو أن أحدا من السياسيين “المعارضين” ومنْ يمثلهم من منتجي الخطاب الديني؛ لم يفلح حتى الآن في محاسبة الذات، ومقارنة الأشياء والتجارب، والاستفادة العاجلة من الأخطاء وعدم تكرار الوقوع فيها. وفي هذا المجال، من المفيد أن يستدرك سياسيو “التفاوض” مع الخليفيين كيف أن “المشير” خليفة أحمد تعمَّد الظهور “الإعلامي” قبيل ذكرى ثورة ١٤ فبراير، ليُعيد سيل التهديدات السابقة، ويُضيف إليها “قمامة” جديدة من الهراءات التي تنتقص من البحرانيين وقيهم الدينية والوطنية، وأن ذلك حصل بعد انكسار الخطاب “الأبي” الذي كاد أن يشيّده الشيخ علي سلمان في تحطيم أكذوبة “المشير” وقواته المجنّسة. وكان “تسريب” آل خليفة لصورة اللقاء بين خليفة سلمان والسيد الغريفي؛ واحدة من تجليات السلوك القبيح للنظام، كلّ النظام، وجنوحه إلى إهانة الناس والعلماء والمعارضين جنبا إلى جنب اضطهادهم والتنكيل بهم دون خشية من أحد أو تحسُّب للعواقب. وتلك لعمري خصلة يتنافس فيها حمد عيسى مع خليفة سلمان، ويقفز بينهما بقية “العصابة” من الخوالد والدواعش والمرتزقة والطبالة والمرجفين، ولا فرق في جذور هذه السلسلة وطينتها، إلا في عيون الذين يستصعب عليهم حتى الآن، وبعد هذه السنوات، الخروجَ من الخرافات المؤسَّسة. وسيكون الأمر أكثر من محزنٍ، وأقرب إلى أن يكون مخزيا، في حال استمر هذا التردُّد والتواري والتأرجح مع قرب أكذوية الانتخابات المقبلة، حيث لازالت “بقايا” جمعية “الوفاق”، مثلا، غير متحمسين لإعلان مقاطعة صريحة للانتخابات وعلى قاعدة المفاصلة مع النظام غير الشرعي الحاكم في البلاد، في الوقت الذي يفضّل متحدثو الوفاق في الخارج الحديثَ عن “رؤية سياسية” مجهولة المحتوى والمصدر والدوافع، لتكون مادةً مفتوحة لاسترضاء الطامحين حتى اليوم في الجلوس مع طاولة “النظام” الموبوءة بكل الأخباث، وكما يذيعها حمد عيسى في كل مرة يظهر فيها ليحتفي بانجازه في الغدر الذي وقع في ١٤ فبراير ٢٠٠٢م.

 

إغفال عبدالوهاب حسين وانعطافة ١٤ فبراير الأولى

 

في الذكرى السنوية السابعة للثورة، لم يسترجع الشيخ حسين الديهي – نائب أمين عام جمعية الوفاق – تلك الانطلاقة التأسيسية للأستاذ عبدالوهاب حسين صبيحة الرابع عشر من فبراير ٢٠١١م، وفضّل الديهي أن يرمّم المكسورات السياسية بلاصقٍ هزيل لا يقوى على تثبيت أوراق “وثيقة المنامة”، وظل في كلمته مساء أمس الثلاثاء ١٣ فبراير ٢٠١٨ يرواح بين وقائعيات الثورة، وبين مكبوتات السياسي الذي يتشبث في داخله بما قبل ١٤ فبراير. ومن هنا؛ فإن إغفال المحطة التاريخية التي سجلها الأستاد عبدالوهاب حسين تأتي تأسيسا على سياسة الإغفال المتعمَّد للأوجه والخيارات الأخرى التي تتحرك في ساحات الثورة داخل البلاد وخارجها، وإنْ أفلح الشيخ عبدالله الدقاق في إقامة تصويب هام حينما أكد بأن خياره في التمسك بما يُسمى بـ”السلمية” لا يعني الحجر على خيارات الآخرين. ومن الجدير بالتذكير هنا أن أنموذج الأستاذ عبدالوهاب في سيرة ١٤ فبراير؛ كان يستجمع خطين ممتدين: الأول شقّه طريق الثورة قبل سبع سنوات بخروجه رفقة أبناء بلدته في نويدرات، والثاني موقفه الثابت الذي عبّر عنه في آخر تصريح إعلامي له قبل ساعات من اعتقاله في مارس ٢٠١١م، حيث أكد في مقابلته مع قناة “بي بي سي” على خيار إسقاط النظام، وأعطى التوصيف الواقعي للنظام بوصفه مجرماً، مسلطا الضوء على الدور السعودي في تحريك كرة النار بعد دخول قوات درع الجزيرة واحتلالها البحرين.

بقي الميدان مخلصا لعبدالوهاب حسين وصحبه من قادة الثورة المعتقلين، وسطوع شمس هذا الميدان للعام السابع على التوالي هو تقريرٌ لحقائق ناصعة يُنتظرَ من السياسيين والمنجذبين لوهميّات المجالس والمكاتب الناعمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى