مقالات

إسقاط الجنسية: جريمة كاملة الأركان يرتكبها حمد عيسى الخليفة

 

البحرين اليوم – (خاص)

باقر المشهدي

كاتب متخصص في شؤون الخليج

 

كونها كاملة الأركان لا يعني أن الجرائم الأخرى في البحرين غير مكتملة أيضا. إسقاط الجنسية عن أكثر من ( ٥٧٠) من أصيلي الجنسية يعتبر الإجراء الأكثر صراحة في الاستهتار الحقوقي، ويعكس النظرة الدونية التي يحملها النظام في البحرين لأفراد الشعب الأصليين. إسقاط الجنسية يكتسب خطورته في أبعاد كثيرة ومتداخلة، من بينها شيوع حالات التجنيس خارج القانون بهدف التغير الديمغرافي للسكان، وفقا لخطة مسبقة كشف بعض تفاصليها ما يعرف بتقرير “البندر”. البعد الأكثر خطورة في إسقاط الجنسية الأصيلة عن البحرانيين هو اعتبارهم غير موجودين، والحكم عليها بالموت القانوني، رغم وجودهم أحياء ولهم عوائل وأطفال ومعاملات قانونية تستلزم وجود هوية قانونية معترف بها.

في ١٩٢٩ كانت حكومة الشاه رضا بهلوي تجبر البحارنة المقيمين في إيران ” عبدان والمحمرة” أو الزائرين للعتبات المقدسة على أخذ الجنسية الإيرانية والتخلي عن الجنسية البحرانية التي أقرت بها مؤخرا. كانت ردة فعل البحارنة غير متوقعة، حيث تمسكوا بجنسياتهم البحرانية، وأبدوا استعدادهم للموت، بتعبير “بلجريف”، في سبيل بقائهم بحارنة، وعلى إثر ذلك بعثوا رسائل وعرائض للحاكم وقتها، حمد بن عيسى، وإلى بلجريف يطلبون منهم التدخل لحماية جنسياتهم الأصيلة. وتوالت المفاوضات بين بلجريف وحكومة طهران، وتوصل الطرفان إلى صيغة انتصر فيها البحارنة، حيث صدر إعلان من بلجريف تضمن ما يلي: “جميع رعايا حاكم البحرين الساكنين في عبادان والمحمرة ليسوا مجبرين على اتخاذ جنسية العجم وإذا حدث على أحد منهم إجبار يكون يخبر حكومة البحرين..”. المفارقة أن الذي كان يدافع عن جنسيات البحارنة كان بلجريف، المندوب البريطاني في البحرين، في حين كان الحاكم وقتها حمد بن عيسى الخليفة مشغولا بتربية الصقور وسباق الجمال، ولم يكن معنيا نهائيا بما يحدث للبحارنة.

المفارقة الأخرى أن الإدارة البريطانية رغم تشددها وقمعها للمعارضين والمخالفين لقراراتها وقيامها بنفي المعارضين لها؛ لم تُقدم على سحب جنسية أي مواطن بحراني طوال فترة إدارتها للبحرين، والحالة الوحيدة التي تم فيها سحب الجنسية كانت حدثت لعبد الرحمن الباكر في الخمسينات، حيث سحبت جنسيته البحرانية بأمر من الحاكم سلمان بن حمد الخليفة، باعتبار أنه حاصل على الجنسية القطرية، وسرعان ما أعيدت له جنسيته البحرانية لاحقا، ولا يبعد أن يكون ذلك الإجراء قد اتخذه بلجريف الذي كان الباكر يطالب بطرده وعزله. لا يعني وقوف بلجريف في صف تثبيت الجنسية البحرانية أنه ودود جدا مع خصومه، أو رؤوف بالمعارضين له، لكنه يعي تماما أن إسقاط جنسية أي مواطن تعتبر خطوة حمقاء وخارجة عن كل قواعد اللعبة السياسية، وأنها تعتبر جريمة كاملة الأركان يعاقب عليها القانون الدولي.

هذه القواعد القانونية المتسالم عليها دوليا؛ تصبح عرضة للاختراق والامتهان في حالة تحول النظام السياسي إلى خانة الأنظمة الفاشية والاستبدادية العسكرية، كما حدث في الحالة التركية في سبعينات القرن المنصرم عندما كانت تركيا جمهورية عسكرية، حيث قامت بسحب جنسية ٥ آلاف كردي في إطار صراعها مع حزب العمال الكردستاني وقتها. وكما حدث أيضا في حالة النظام البعثي مع العراقيين المنحدرين من أصول إيرانية. وبالتالي، فإن السمة الأبرز لأي نظام عسكري استبدادي هي قيامه بسحب الجنسيات القانونية لمعارضيه، وجعلهم عديمي الجنسية القانونية.

ما يثير السخرية بالمطلق هو سعي النظام الخليفي لـ “قوننة” استبداده ومحاولة تسويق قراراته الجائرة بصيغ قانونية هشة، مثل هشاشة شرعيته تماما. فلكي يبعد حمد عيسى نفسه عن المسؤولية المباشرة عن قضية إسقاط الجنسية، لأنه يعلم أنها جريمة كاملة الأركان؛ أدخل النظام تعديلا دستوريا وقانونيا أتاح للقضاء أن يسحب الجنسية عن أي مواطن يمثل في قضايا سياسية، ويغلفها بعناوين قضايا تدخل ضمن قانون مكافحة الإرهاب الذي هو بدوره قانون ساقط قانونيا ودستوريا. كما أتاحت التعديلات الدستورية إمكانية قيام وزير الداخلية بسحب الجنسية بقرار من مجلس الوزراء في حالة الإضرار بمصالح الدولة، ويعني بها تحديدا معارضة أسرة آل خليفة.

عبر هذا التحايل القانوني والدستوري؛ اعتقد النظام الخليفي أنه حمى سيده ومليكه حمد عيسى الخليفة من تبعات جريمة إسقاط الجنسية، في حين أن الجميع يعرف ويدرك أن المسؤولية لا تسقط هكذا، لأنه وبحكم مواد الدستور الذي وضعه حمد عيسى لنفسه يعتبر هو الرئيس الفعلي للسلطة التنفيذية والقضائية، بل إن “قوننة” هذه الجريمة يعد مظهرا جليا لمنهجية ارتكاب الجريمة وجعلها سبيلا متاحا لأكثر من طرف ” القاضي/ الوزير/ رئيس الوزراء..”.

جريمة إسقاط الجنسية وتداعياتها المتمثلة في حرمان عشرات الأسر من السند القانوني لها وحرمان عشرات الأطفال من التمتع بحق الجنسية؛ تقع على كاهل حمد عيسى الخليفة بشكل مباشر وغير مباشر، ولا يستطيع أحد أن يخلصه من تبعاتها. بل أكثر من ذلك؛ فإن إعداد ملف حقوقي متكامل ضد الحاكم ووزير الداخلية ورئيس السلطة القضائية سيكون صادما لهم، وفاضحا لدورهم في بناء نظام استبدادي متعجرف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى