ساهر عريبيمقالات

هل داعش صناعة إيرانية أم سعودية؟

ساهر عريبي - إعلامي -  لندن
ساهر عريبي – إعلامي – لندن

البحرين اليوم  – (خاص)

راجت اتهامات مؤخرا تشير الى ارتباط تنظيم داعش الإرهابي بايران، وخاصة بعد التفجيرين الإرهابيين اللذين وقعا في مسجدي الإمام علي بن أبي طالب والإمام الحسين في المنطقة الشرقية من السعودية. إذ انبرت وسائل اعلام سعودية وبعد تبني تنظيم داعش للعملتين الى اتهام ايران بالتورط فيهما، وبدعمها ورعايتها لتنظيم داعش الإرهابي. فما هي حقيقة هذه الإتهامات، وهل ان تنظيم داعش صناعة إيرانية أم سعودية؟

بالرغم من ان مجرد طرح هذا التساؤل يعكس استخفافا بعقل القاريء الحصيف والمطلع، بل وبكل من يملك الحد الأدنى من الوعي، لأن طبيعة هذا التنظيم الإرهابي لم تعد خافية على أحد، إلا ان استخفاف بعض وسائل الإعلام بعقول السامعين، او مخاطبتها لجمهور لا يميز بين الناقة والجمل دفعني لكتابة هذه المقالة. وللإجابة على هذا التساؤل لابد من معرفة نشأة هذا التنظيم، ومبانيه الفكرية، ومصادر دعمه وتمويله، وطبيعة أفراده وجمهوره وممارساته، واخيرا أهدافه.

ظروف النشأة

نشأ تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية اليوم على انقاض ما كان يعرف بتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، الذي كان يتزعمه الإرهابي الأردني أبو مصعب الزرقاوي. فالزرقاوي أسس جماعة التوحيد والجهاد في اعقاب سقوط النظام الصدامي عام 2003، وكانت نواتها مجموعة مما يعارف بالمجاهدين الأفغان. الجماعة خضعت لتنظيم القاعدة في العام 2004 وأعلن الزرقاوي مبايعته لأسامة بن لادن وأعلن عن ظهور تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين.

واما ابو بكر البغدادي فقد اعتقلته القوات الأمريكية عام 2004 ومكث في سجن بوكا جنوبي العراق وحتى العام 2009 عندما أطلق سراحه. وبعد مقتل الزرقاوي في العام 2006  أُعلن تأسيس دولة العراق الإسلامية وجرى انتخاب المهاجر ومن بعده أبي عمر البغدادي زعيما للتنظيم. وبعد مقتل الأخير عام 2010 وبعد مرور بضعة شهور على إطلاق سراح البغدادي جرى انتخابه بشكل مفاجيء زعيما لتنظيم الدولة.

وبعد إندلاع الإضطرابات في سوريا عام 2011 نقل البغدادي نشاطه الى سوريا بعد الضربات الموجعة التي تلقاها التنظيم في العراق، واعلن في ذات العام عن تأسيس تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”. وبعد سقوط مدن الموصل وتكريت واجزاء اخرى من العراق بيد مقاتلي التنظيم في شهر حزيران من العام الماضي أعلن عن قيام الدولة الإسلامية وتم تنصيب أبو بكر البغدادي خليفة لها.

وهكذا يلاحظ من ظروف النشأة ان تنظيم الدولة هو امتداد لتنظيم القاعدة الذي ظهر في أفغانستان خلال الحرب ضد الإحتلال الروسي ونما وترعرع في ظل حكومة طالبان التي لم تعترف بها سوى ثلاث دول في العالم هي كل من السعودية والإمارات وقطر ولم تكن إيران إحداها.

الآيديولوجية

التنظيم يتبنى ايديولوجية الفكر السلفي الوهابي السائد في السعودية، والقائم على تكفير الشيعة باعتبارهم مشركين وجواز قتلهم واستئصالهم. كما وانه يعتبر بناء القبور والأضرحة بدعة وشرك ولذا فيعمد الى هدمها كما تفعل السعودية. كما وانه يسعى لإقامة دولة الخلافة الإسلامية وهي الفكرة التي تتبناها الحركات السياسية السنية وفي طليعتها حزب التحرير وجماعة الأخوان المسلمين وتنظيم القاعدة. وهذه المباني لاتتبناها ايران ولا الحركات السياسية الشيعية، فنظام الحكم في ايران جمهوري وليس دولة خلافة، فهو كفر بحسب المباني السلفية التي لاتؤمن بالديمقراطية ولا بالأنتخابات وهي السائدة في ايران، بل تؤمن بالبيعة وهي الطريقة السائدة في السعودية لإنتخاب الحاكم.

مصادر التمويل

مصادر تمويل التنظيم الأساسية هي دول الخليج وخاصة السعودية، كما كشفت عن ذلك العديد من المؤسسات البحثية الغربية ومنها معهد واشنطن، فيما تقدم تركيا الدعم اللوجستي للتنظيم. وقد رصد تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية في شهر يونيو من العام الماضي عن وجود عدد كبير من الأثرياء والشخصيات الخليجية التي دعمت ومولت الأنشطة الإرهابية في كلٍّ من العراق وسوريا، ووفقًا للتقرير هناك (28) شخصية سعودية، و(12) عراقية، و(5) من الكويت، إلى جانب عدد آخر من قطر والإمارات والبحرين وقطر. وأما الدعم الرسمي فكان من دول مثل السعودية والكويت وقطر والإمارات، حيث قامت هذه الدول بتمويل هذا التنظيم في البداية كجزء من حربها بالوكالة ضد نظام الأسد. في الوقت الذي تدعم فيه ايران نظام بشار الأسد وكذلك يفعل حزب الله. واما الصادرات النفطية من المناطق التي يسيطر عليها داعش فهي تذهب الى تركيا كما صرح وزير الخارجية الامريكية جون كيري، وكذلك الى دول أخرى مجاورة مثل الأردن. وهكذا نرى ان التنظيم مدعوم ماليا وعسكريا من المحور الذي تقوده السعودية .

الأعضاء والجمهور

يتشكل تنظيم الدولة ممن يعرف بالجهاديين وهؤلاء جميعهم من اهل السنة وممن يؤمنون بالفكر السلفي وخاصة الوهابي, ولايوجد في صفوف التنظيم شيعة ايرانيون او غيرهم، ولا يوجد قيادي شيعي في التنظيم، في حين ان قياداته الرئيسة إما عراقية تنحدر من المحافظات السنة مثل ابو بكر البغدادي أو خليجية في طليعتها الضابط البحريني تركي البنعلي، او غير عربية مثل ابو عمر الشيشاني.

أفراد التنظيم من أهل السنة قاطبة وتأتي السعودية بالمرتبة الأولى في رفد التنظيم بالمقاتلين وكان آخرهم المدعو الشمري والقشعمي منفذي عمليتي القديح والدمام. ولايوجد بين افراد التنظيم شيعي واحد سواء أكان ايرانيا او غير ايراني. بل على العكس فإن التنظيم يتهم الإيراني قاسم سليماني بقيادة قوات الحشد الشعبي التي تقاتله. وهو في ذات الوقت يحظى بتأييد واسع في العالما لسني وخاصة في السعودية كما ظهر في احصائية مؤخرا حول نسبة مؤيديه في السعودية على شبكة التواصل الإجتماعي توتر. واما في العراق فإن عددا كبيرا من العشائر العراقية السنية بايعت التنظيم وكانت آخرها عشائر الرمادي التي بايعته خلال الأيام القليلة الماضية. وهكذا فمن حيث التركيب فإن التنظيم سني خالص يطغى عليه الطابع الخليجي وخاصة السعودي.

ممارسات التنظيم

واما على صعيد ممارسات التنظيم سواء في العراق او سوريا فهي تستهدف من يسميهم بالروافض اي الشيعة، الذين ارتكب بحقهم مجازر ولعل ابرزها مجزرة قاعدة سبايكر في العراق العام الماضي والتي ذهب ضحيتها 1700 شيعيا من طلبة الكلية العسكرية. والتنظيم ومنذ ظهوره يستهدف المساجد والمراقد والأسواق والمحلات الشيعية سواء في العراق او سوريا او في السعودية أو اليمن. واشتهر التنظيم بحز الرؤوس وهي الممارسة السائدة في السعودية التي تعتبرها تطبيقا للشريعة الإسلامية وهي الممارسة التي لامثيل لها في كافة دول العالم سوى السعودية وهي التي كانت سائدة عبر التاريخ في استهداف اتباع أهل البيت عليهم السلام وكما حصل مع الحسين بن علي, سبط النبي وصحبه واهل بيته الذين قطعت رؤوسهم وحملت على الرماح الى الشام لتوضع بين يدي الخليفة الأموي.

اهدافه

واما اهدافه فهي القضاء على من يسميهم بالشيعة الصفويين المجوس في كل من العراق وايران وسوريا ولبنان واليمن وباقي دول المنطقة, فهو يخوض اليوم حربا ضد المحور الإيراني ولا حرب له مع محور السعودية. بل ان المحور السعودي يطلق على اعضاء التنظيم لقب الثوار! فقد وضع التنظيم نصب عينيه إسقاط الحكومة العراقية التي يصفها بالصفوية والدخول الى كربلاء والنجف وسامراء وبغداد لهدم أضرحة أهل بيت النبي فيها والتي يعتبر بنائها شركا وفقا لقرائته التي تتسق مع القراءة الوهابية. وكذلك اسقاط حكومة بشار الأسد المتحالفة مع ايران, والقضاء على حزب الله وهو يقاتل الحوثيين اليوم في اليمن عبر التفجيرات التي تستهدف مساجدهم فيما تقصفهم الطائرات السعودية التي تتهم ايران بدعمهم.

وبعد هذا الإستعراض السريع فإن إدعاء الإعلام السعودي بان تنظيم داعش صناعة ايرانية، ماهو الا استخفاف بالعقل البشري ومحاولة بائسة للنأي عن هذا التنظيم الذي شوّه الدين الإسلامي كما شوهته السعودية عبر ممارساتها. فالتنظيم صناعة سعودية وهابية خالصة, واضحة كوضوح الشمس في رابعة النهار, وصدق من قال حدث العاقل بما لايعقل فإن صدقك فلا عقل!

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى