مقالات

وصيتي لكم: الطوفان بدأ.. لا ليهدأ

 

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: كريم العرادي

كاتب من البحرين

يسألني صديقي، وهو يشاكسني: “ما رأيك بما يحصل؟” سألته بدوري وكأني لا أعرف ماذا يقصد: “أي شيء تعني تحديدا؟”. ابتسم ابتسامة ملوّنة، وانصرف إلى ما كان فيه.

خلال اليومين الماضيين، عاش المواطنون في البحرين أجواء لا يعرف وصفها إلا رافعُ السموات وخالقُ القلوب. الشيخ عيسى قاسم، الذي كانت القلوب تخفق باسمه، لأكثر من عامين، مع كل خبر يأتي من الدراز.. تقرّر أن يغادر البلاد للعلاج. أقول: تقرّرَ، وفي القصّة غموض ومخاوف. ما كان يهزّ الناسَ ليس مرضه فحسب، فهم يعرفون أن رجلا في سنّه، ليس من الهيّن أن يتحمّل كل هذه المعاناة. أمراضُه.. قتْلُ الشبان أمام عتبة منزله.. ومحاصرته بأسوأ المخلوقات. استمر هذا المشهد بجوار منزله لأكثر من عامين. كان جدار بيته مفتوحا على الأحداث. لستُ أدري كيف كان أهله ينقلون إليه ما كان يحدث خارج منزله، ولكني واثق أن هذا الرجل الثمانيني الذي بكى لهتك أعراض النساء، وأطلقَ من حنجرته المتعبة هتافات “هيهات منّا الذلة”، ودعا للدفاع المقدّس عن الحرمات، بلا تردّد أو تورية.. هذا الرجل الذي بكى على كتفه الشهيد محمد الساري؛ لا شك بأنه كان يعتصر دموعا وهو يسمع دويَّ الشبان الذين ما بدلوا تبديلا، وآثروا أن يكونوا فداءا أصلاء عنه وعن عمره الشريف. لقد غادر الشيخ وطنه وشعبه من غير أن يمسح على صدورهم ورؤوسهم.. ولا هم كانوا على مقربة منه لينثروا الأشجانَ والأشواق على عباءته التي فازَ الشهيد الساري بالعروج وهو مشحونا برائحتها. غادر الشيخ وحال الناس مثل اليتامى، لا يعرفون إلى أيّ مصير يرحل أبوهم الكبير، وماذا ينتظرهم بعد انطفاء أنوار حيّ الحيدريّة.

ولكنّ الدّراز وأهلها لم يطفئوا الشعلة، ولا سلّموا الراية. تصدّوا للمشهد الرمادي ليقولوا للجميع: القائد فينا لا يغادر. أعطوا السياسيين والخليفيين وكلّ العالم خلاصةَ الموقف والرؤية: لا أمان إلا في كنف الفقيه. لا إنفراجات ولا أفراح إلا بعودته معافى منتصراً. الفداءُ باقٍ، والمقاومةُ شرفٌ لا تُرفعُ عنه الأيادي. وكلّ شيء عدا ذلك ليس سوى هراء وخيانة. قالوها من غير رجوعٍ إلى الأوراق، ولا إلى المعزولين في المكاتب والاستديوهات. شدّوا الأحزمةَ، وابتلعوا لوعةَ فراق الفقيه الشجاع، وبرزوا من بين الحواجز الإسمنتية وكمائن الغزاة، وكتبوا وصيّة القاسميّ: “الطوفانُ بدأ لا ليهدأ”. إنه طوفان، وليس مفاوضات أو تبادُل للكلمات. هو بدأ لكي يبلغ منتهاه، لا ليهدأ في محطات الدسائس والصفقات. الدرازيون قالوها بلسان مبين، وفي بيانٍ تعلّموه من فقيه الكلمة الذي أحبط الألاعيب وأحرقَ كلّ أوراق المتاجرة بالثورة وتضحياتها. ولأن الدرازيين نطقوا، فليخسأ كلّ ما يخالف قولهم العظيم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى