مقالات

مبادرة السيد عبدالله الغريفي: اجتراحات الحل في البحرين.. بين الأمنية والواقع

 

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: باقر المشهدي

كاتب متخصص في شؤون الخليج

 

بين الأمنية والواقع مسافة يصعب على نظام الحكم في البحرين تجاوزها. أمنية بعض الجماعات في الداخل البحراني هي الخروج من الأزمة، ولو بأقل الخسائر وتقديم تنازلات سياسية كبيرة، وهي أمنية تصدم نفسها بمعطيات واقع النظام الذي لم يقدم أية مؤشرات على قبوله حتى هذا المقدار من التنازل. إذ لا توجد حتى الآن أي مؤشرات تقوّي فكرة قبول النظام بربع المبادرة التي أقترحها العلامة السيد عبدالله الغريفي مؤخرا، وهي مبادرة انفراج أمني على غرار الإنفراج الأمني الذي حدث في ٢٠٠١م.

صحيح أن النظام يعيش في فترة “ذروة الأزمة”، إلا أن الخيط الرفيع في استمرار الأزمة لم يعد منحصرا في خيارات النظام الذاتية. بعبارة أدق؛ لم تعد النخبة الحاكمة في البحرين قادرة على اجتراح الحلول وقبول التفاوض بشأن الخروج الآمن من الأزمة، لأن النظام – ومنذ ٢٠١١م – فقد سلطته السيادية، ولم يعد قادرا على اتخاذ أي خطوة داخلية أو خارجية دون موافقة أطراف الهيمنة الأساسيين، وهما الرياض وأبو ظبي تحديدا. ومعنى ذلك، أن أي تنبؤ بأي مخرج؛ من المهم أن يتوافق وإستراتيجيات كلٍّ من الرياض وأبو ظبي بالدرجة الأولى.

في السياق نفسه، وبالنظر إلى مجريات تطور الأحداث الداخلية؛ هناك مسعى فعليّ للتحول من نظام “الدولة البوليسية” السائدة حاليا إلى “الدولة العسكرية” المتوحشة، وهذا المسار يمكن رصد مظاهره بسهولة عبر التمعن في التعديل الدستوري، وتعديل قانون القضاء العسكري. إضافة لذلك؛ فإن التعديلات والإضافات القانونية التي تم إدخالها خلال السنوات الأربع الماضية على كافة القوانين ذات الصلة بالأمن؛ تؤكد صحة مقولة “عسكرة الدولة”، وأننا امام ترسانة قانونية ودستورية تشجع على “التحول العسكري” في نظام الدولة بالبحرين، على غرار الأنظمة العسكرية المألوفة في بعض الدول. وكنتيجة أولية لهذا التحول الفاحش؛ أصبحت البحرين في قائمة الدول الأكثر سجنا لمواطنيها على خلفيات قضايا تتصل بالتعبير عن الرأي والحريات العامة، كما ارتفعت حالات سحب الجنسيات البحرانية ووصلت إلى أكثر من ٥٠٠ حالة، وبلغت أحكام الإعدام حوالي ٢٠ حالة في سابقة لم تشهدها البحرين أبدا. وإذا عدنا إلى واقع الدول العسكرية وتجاربها؛ سنجد أن الإجراءات والممارسات الحالية تكاد تقترب من أبشع الأنظمة عسكريةً في العالم.

إذن، أين تقف مبادرة السيد الغريفي في ظل هذا الانسداد السياسي والأمني؟ وهل يمكن لمبادرة – لا أحد يشكّ في صدق صاحبها – أن تقنع الطغمة العسكرية بالتنازل عن كل ما أنجزته خلال السبع السنوات الماضية؟

قراءة واحدة ضمن القراءات الجديرة بالالتفات هي أن النظام يسعى مراوغا لتقوية “فئة” ترى التصالح التام مع النظام وإعلان حالة الاستلام ورفع الراية البيضاء التي طالب بها نايف بن سعود في ٢٠١١. وهذا يعني، أن هناك محادثات وتفاصيل جانبية سبقت الإعلان عن المبادرة، وربما كانت أطروحات رجل الأعمال تقي الزيرة – وكذلك ابن عمه الطبيب فيصل الزيرة مدير مستشفى البحرين الدولي – قريبة جدا من هذه المبادرة. وبالمجمل؛ فإن هدف النظام من إثارتها يختلف تماما عن هدف إعلانها من قبل السيد الغريفي، وهذا التفارق بين أمنية السيد الغريفي وواقع النظام يؤكد أن ما يجرى ربما هو بمثابة أحد “الأفخاخ” الكثيرة التي يلجأ النظام لنصبها دائما لتمرير مشاريعه السياسية، وللتغطية على تحولاته الجوهرية.

بعبارة سياسية دقيقة: ما مصلحة النظام من قبول الإعلان عن هذه المبادرة، وأن يتقدم بها السيد الغريفي ولا يتقدم النظام بها؟ من الواضح أن تقدم السيد الغريفي يعني إمكانية تنصّل النظام من أي تبعات لها، وأن يكون هو  “سيد الموقف”، وأن يصبح المحتكر لمجريات الأحداث. وفي الوقت نفسه – نظرا لحاجته لـ”حشود” تفيده في تمرير مشروعه السياسي المرتقب في أكتوبر ٢٠١٨ وهو الانتخابات المقبلة – فليس بعيدا كما رأينا أن تلتف تلك الفئات المتصالحة مع النظام مع مبادرة السيد الغريفي، لتعيد تموضع نفسها، وتوهم الرأي العام أنها ستحمل هذه المبادرة كمشروع انتخابي كبير. قد تكون هذه القراءة متحاملة في مضمونها، لكنها تتسق ومعطيات الواقع الحالي والواقع المقبل القريب على أقل التقادير.

في كل الأحوال، وإذا ما قرر النظام الاستجابة ولو جزئيا لبعض بنود مبادرة السيد الغريفي؛ فإن كل ذلك لا يعني سوى انفراج أمني لا يمس جوهر الأزمة المتضخمة بين النظام والناس، وهي أزمة ليست بالسهولة التي يمكن أن يتصورها أحد، نظرا لحجم الانتهاكات والممارسات الوقحة والشريرة التي اختار النظام المضي بها وفيها طوال عدة عقود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى